رأي

أمير مخول

نتنياهو يلجأ الى الضبابية - ماذا يريد من الصفقة ومن خطاب الكونغرس؟

كان لافتًا موقف الوزيرتين من الليكود، ريغف وغمليئيل، المقربتين من نتنياهو، واللتين دعتا الى ابرام الصفقة على وجه السرعة بعد ان استمعتا الى إحاطة من رئيس الموساد. هذا الموقف قد يكون مؤشرًا الى ان نتنياهو وصل الى قناعة بعدم قدرته على تجاوز استحقاق الصفقة، وهو ما ستثبته الأيام القادمة
رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو

حثّ حزب شاس الديني الحريدي، والاساسي في الائتلاف، نتنياهو (17/7) على أبرام  صفقة التبادل وتنفيذها، مؤكدًا انه ما من أزمة سياسية في هذا الصدد. يثبّت هذا موقف في مؤتمره الصحفي يوم 13.7.2024 وردًا على أحد الصحفيين، حيث قال نتنياهو "لن تكون أية مشكلة لتمرير الصفقة في الحكومة حين اقتنع بها"، مؤكدا انه هو من يتحكم بكل اطراف الائتلاف الحاكم ولا أحد يتحكم به وليس رهينة لا لسموتريتش ولا لبن غفير. 
فعليًا هذه هي أول مرة يأتي فيها بمثل هذا التصريح. فقد أكد نتنياهو التزامه بما أطلق عليه "صيغة بايدن"، إلا انه سعى بعدها الى طرح مسألة محور صلاح الدين (فيلادلفيا) ومنع عودة النازحين، مما يعطّل على الصفقة أو يؤجلها على أقل تقدير. يدرك نتنياهو انه في حال قرر ابرام الصفقة سيكون لديه اغلبية واضحة في الحكومة وفي الكنيست وفي الرأي العام. كما يدرك انه سوف يحسّن وضعه السياسي، وانه بات في مساحة مريحة سياسيا وحزبيا. كما لا يبدو خطرا يتهدد ثبات الحكومة بسبب الصفقة من قبل "أقصى اليمين" - حزب سموتريتش وحزب بن غفير - الفاقدين لأي بيت سياسي بديل لهذا الائتلاف، إلا اذا شعر الحزبان بأن نتنياهو نفسه معني بحل الكنيست والإعلان عن انتخابات مبكرة لا تتيح نضوج إصطفافات اليمين المناوئ له. 

"يدرك نتنياهو انه في حال إبرام صفقة سيحسّن من وضعه السياسي.. ولكن"

مهمة نتنياهو في حال انتخابات جديدة تبدو أسهل من مهمة معارضيه على مختلف تياراتهم. فهو يسعى الى ضمان كتلة يمينية من 50 -52  عضو كنيست. وعندها لن تكون اغلبية يهودية في الكنيست لتشكيل حكومة بديلة. وفقا لحساباته فإنه لا يوجد من بين منافسيه على رئاسة الحكومة من يجرؤ على بناء ائتلاف قائم على دعم أي حزب عربي، حيث بات مثل هذا الاحتمال خارج حدود "الشرعية الإسرائيلية". ومن مؤشرات ذلك جاءت تصريحات كل من غانتس ولبيد الرافضة لاعتماد أي ائتلاف مع القائمة العربية الموحدة والتي كانت عضوا في ائتلاف بينيت - لبيد.
لقد بات مصدر قلق نتنياهو هو داخل الائتلاف سواء باحتمالية خروج اعضاء من حزبه عن طاعته، والصراع بين الاحزاب الدينية الحريدية والصهيونية الدينية. كما انه صدَّ في رده على اسئلة الصحافيين الدعوة التي اطلقها وزير الأمن نهاية الاسبوع لإقامة لجنة تحقيق رسمية تحقق في كل المستويات، العسكري والسياسي والأمن القومي، بمن فيهم رئيس الحكومة ووزير الأمن. 
أكد نتنياهو ان لجنة التحقيق أو الفحص أو التحقق (لم يحسم نوعية اللجنة ولا صلاحياتها) تُقام فقط بعد انتهاء الحرب ولن تنتهي الحرب إلا بتحقيق أهدافها وقد تستغرق سنوات، ليعود ويؤكد ان النصر على بعد خطوة وان حماس في أيامها الأخيرة، لكن ليست نهاية الحرب، وأن لجنة تحقيق سوف تكون على حساب "تحقيق الانتصار".

"لكن ماذا يقصد غالانت بـمهلة "الاسبوعين"؟ هل هناك موعد لاشعال الجبهة الشمالية نحو الحرب المفتوحة"

يعتبر نتنياهو ان اثر الضغط العسكري الاسرائيلي بدأ يظهر وان حماس تتراجع بل ان "أيامها معدودة" وتقبل بالشروط الاسرائيلية. وفي حين يرى ان هذه الوضعية تتطلب المزيد من الوقت والضغط "حتى الانتصار"، تستخدم المنظومة الأمنية هذه المحاججة لتأكيد ضرورة ابرام الصفقة وتأكيد قدرة الجيش على ضبط الوضع وعلى وقف اطلاق النار أو العودة للحرب متى شاء، وبأن عودة الأسرى والمحتجزين هي الانتصار وفقًا لغالانت، ناهيك عن المسؤولية العليا. 
يؤكد نتنياهو بأن الأسرى والمحتجزين الاسرائيليين في غزة "يعانون ولا يموتوا" في مواجهة موقف غالانت القائل بأنه "اذا لم يتم استعادتهم خلال اسبوعين سيكونوا في خطر". وإذ يقوم الجيش بإصدار مذكرات استدعاء للجندية للشباب المتدينين الحريديم، فقد أعلنت قيادة التيار الحريدي الرفض والدعوة لعصيان الأوامر، في إشارة الى تعمق التصدعات داخل الحكومة، فيما يدّعي نتنياهو بأنه لم يكن على علم بهذه الخطوة من الجيش.
لكن ماذا يقصد غالانت بـمهلة "الاسبوعين"؟ هل هناك موعد لاشعال الجبهة الشمالية نحو الحرب المفتوحة، وعندها سوف تتبعثر اوراق الحسابات السياسية والامنية بصدد الصفقة ويتحول الوضع الى مرحلة الاحتلال المستدام حتى ولو في ظل حرب استنزاف طويلة الأمد ولا تبشر خيرا للمحتجزين في غزة وعائلاتهم، أم هي مجرد مناورة منه للضغط على الحكومة قبل عطلة الكنيست وزيارة نتنياهو المتوقعة الى واشنطن، ام ان التوتر سيتصاعد مع الوسطاء وحصريا مع مصر؟ قد تكون أسباب أخرى، إلا ان غالانت عادة ما يعتمد تقديرات الجيش وما يضمره المستقبل القريب أو البعيد.

نتنياهو:ماذا سيقول في خطابه بالكونغرس مع سعيه الى طرح مسألة محور صلاح الدين (فيلادلفيا) ومنع عودة النازحين؟يسعى نتنياهو للتخلص من عقبتين جوهريتين في طريقه الحالي؛ أولهما، تفكيك وحدة موقف الجيش والمنظومة الأمنية الذين يتهمهم رئيس الوزراء بأنهم يسعون لفرض الصفقة عليه مسنودين بوزير الأمن غالانت الذي يتبني نهجا صداميا معه. كما تبدو نوايا نتنياهو واضحة في التخلص من وزير الأمن وإقالته لو توفرت لديه فرصة لتحقيق ذلك، وحصريا لأنه قد يشعل الاحتجاجات وقد يؤدي حزبيا الى تصدع إضافي في الائتلاف الحاكم قد يعصف به. وإذ يسعى رئيس الحكومة الى  ضم غدعون ساعر رئيس اليمين الرسمي الى الحكومة وتبوّء منصب وزير الأمن، إلا ان الأمر يلقى اعتراضات قوية داخل الليكود وخاصة المتنافسين المحتملين على رئاسة الحزب. 
العقبة الثانية هي المستشارة القانونية للحكومة، ويسعى للتخلص منها بخلق حالة لا تستطيع مواصلة مزاولة دورها. يدور الصراع حول الزامية تجنيد الحريديم، وكذلك بتصديها لكل خطوة تتخذها الحكومة لا تتماشى مع الاجراء او القانون او قرارات المحكمة العليا، مما يعزز بدوره التصدعات الداخلية.
أراد نتنياهو الإبقاء على حالة من الضبابية لتغليف نواياه، الا انه من الصعوبة بمكان ان يسافر الى واشنطن ويلقي خطابه أمام الكونغرس الأمريكي، دونما ابداء نوايا حقيقية بقبول صفقة التبادل واتخاذ خطوات فعلية بصددها، وإلا سيجد نفسه في مواجهة مظاهرات احتجاجية اسرائيلية ويهودية أمريكية تطالبه بإبرام الصفقة، وانقاذ حياة الاسرى والمحتجزين، في حين سيواجه مظاهرات أخرى منددة بالحرب ومناصرة لإحقاق الحق الفلسطيني.
نظرًا لاحتياجاته السياسية الداخلية والخارجية وأمام الكونغرس، واعتقاده المتزايد بعدم قدرته على تجاوز الصفقة، بل انها وحصريا المرحلة الأولى سترفع من أسهمه، فلا تزال احتمالية الإذعان لهذا الاستحقاق قائمة، وبدورها لا تبقي المؤسسة الأمنية فراغا بل ترى ان الصفقة بصيغتها الحالية كما يبدو هي الفرصة الأخيرة لانقاذ حياة الأسرى والمحتجزين. 
كان لافتًا موقف الوزيرتين من الليكود، ريغف وغمليئيل، المقربتين من نتنياهو، واللتين دعتا الى ابرام الصفقة على وجه السرعة بعد ان استمعتا الى إحاطة من رئيس الموساد. هذا الموقف قد يكون مؤشرا الى ان نتنياهو وصل الى قناعة بعدم قدرته على تجاوز استحقاق الصفقة، وهو ما ستثبته الأيام القادمة.  

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

الضفة: لا إجلاء مؤقت ولا نزوح مؤقت

2024/08/30 09:44

عن خطأ إسقاط التجربة الجزائرية على التجربة...

2024/08/10 19:15

زيارة نتنياهو لواشنطن... وعلاقة الولايات...

2024/07/23 15:01

صفقة التبادل في مهب السياسة الداخلية في...

2024/07/19 16:34

الطبيب الفلسطيني واقتتال المنظومات...

2024/07/03 15:47