رأي

أمير مخول

الطبيب الفلسطيني واقتتال المنظومات الإسرائيلية

الصراعات بين المستويين السياسي والأمني هي نتاج مباشر لاخفاقات الحرب على غزة والورطة التي تحوّلت الى استراتيجية ● في موازاة ذلك قد يدفع الوضع الحالي وفقدان الرتابة التنظيمية بين المنظومات الأمنية الى استقالات في الاجهزة الأمنية الاخرى، وحصريا الشرطة التي قد تشهد تفككا بعد ان اعتمد بن غفير لنفسه صلاحيات للتدخل المباشر في عمل الشرطة الميداني

حرب الروايات الاسرائيلية حول اطلاق سراح مدير مستشفى الشفاء د. محمد ابو سلمية، هي دليل مصغر للصراع الذي سيحصل في حال تم الإعلان عن لجنة تحقيق رسمية حول اخفاق السابع من أكتوبر وكل ما تلاه من اخفاقات في ادارة الحرب. من اللافت ان الصراع لم ينحصر داخل المستوى السياسي، ولا بين المستوى السياسي الحاكم والمستوى الأمني، بل تحولت الأذرع الأمنية الى حلبة صراع فيما بينها.
يحدث اصطفاف لافت قد يدفع الى تفكك المنظومة الأمنية كمنظومة متكاملة وذات رتابة ومرجعيات متعارف عليها. لقد بات واضحا ان الأجهزة الأمنية الخاضعة لمسؤولية وزير الأمن القومي بن غفير، أي الشرطة ومصلحة السجون والحرس القومي، والتي نجح في تغيير قياداتها وهويتها الداخلية، تقف في خط الصدام مع المنظومات الأمنية الخاضعة لمسؤولية وزير الأمن، الجيش، وجهاز الامن العام الشاباك الخاضع رسميا لمسؤولية رئيس الوزراء ويدار ذاتيا ضمن القانون الاسرائيلي وقرارات الحكومة، إضافة الى مجلس الامن القومي الذي يعينه رئيس الحكومة.
قامت مصلحة السجون بنشر شريط توثيقي لاخراج الطبيب ابو سلمية من الزنزانة ومن السجن لتبين فيه ان ادعاء الشاباك بوجود حاجة الى اماكن شاغرة في السجون لاعتقالات متوقعة هو ادعاء كاذب وقد أصرت مصلحة السجون على انه لا توجد مشكلة أمكنة في السجون.

د. محمد أبو سلمية قبل الاعتقال
د. محمد أبو سلمية بعد 8 أشهر من الاعتقال

في اصرارها هذا وفي شريط الفيديو لفتت مصلحة السجون الأنظار دون ان تقصد او عن قصد لأغراض ترضي الوزير، الى ظروف اعتقال الاسرى، وكيف انهم مقيدي الايدي والارجل ومحنيي الظهر على ارضية الزنزانة، والى كون معظم الأبراش أي الأسرّة الحديدية المثبتة بالجدران، هي من دون أي فراش او غطاء، وان الزنزانة خالية من أية لوازم للأسرى من ملابس وماء ومواد غذائية، يضاف الى الخط الاصفر، الذي يمنع اي اسير من تجاوزه داخل الزنزانة والا عوقب هو وزملائه بالضرب المبرح بالهراوات وقد يكون حتى التسبب بإعاقة وحتى الموت.
وحين كشف زملاء الطبيب عن حالتهم الصحية وهزالة الاجساد التي واجهت تجويعا يصل حافة الموت وقد فقدوا جلّ وزنهم، والأرجل والتي نتيجة للقيود البلاستيكية الثابتة والحابسة للدورة الدموية تبدو انها بحاجة الى البتر او الإعاقة الدائمة، والى الامراض الجلدية الرهيبة التي يصعب النظر الى تجلياتها فكم بالحري من يعيشها ويعاني منها، ناهيك عن الحالة النفسية، فيبدو ان مصلحة السجون كما حكومة اسرائيل ستخضعان للمساءلة القانونية الدولية وهي شهادات لا يمكن التهرب منها. هذه النتائج من تلك الشروط الإعتقالية.

ظروف قاسية داخل السجون الاسرائيلية

وفقا لرواية رئيس الشاباك التي رشحت الى الاعلام فإنه قد حذر الكابنيت الأمني السياسي من ان ظروف الاعتقال سوف ترتد على اسرائيل وأمنها، وأن الأسرى الذين يتعرضون الى اقصى انواع التعذيب والاهانة سوف ينتقمون و"هناك من بينهم من بدا يخطط لعمليات انتقامية" وفقا لجهاز الاستخبارات.
نشرت مصلحة السجون في وسائل الاعلام نص الأمر العسكري بإطلاق سراح  ابو سلمية وعدد من الأسرى الذين وفقا لمعلومات الشاباك الأقل خطرا من غيرهم. وهذا النشر يعتبر نادر الحصول، إلا ان منظومة السجون تسعى الى تحرير نفسها من اية مسؤولية مقابل القاء هذه المسؤولية على الجيش والشاباك. هذا الموقف متساوق مع بن غفير ومواقفه. كما انه دليل على مدى نجاح الوزير في إطباق نفوذه على احدى اهم المنظومات الأمنية المسؤولة عن الأسرى الفلسطينيين.

"بن غفير يطبق نفوذه على أحد المنظمات الأمنية المسؤولة عن الأسرى الفلسطينيين"
الحملة على الجيش والشاباك والمطالبة بتنحي رئيسي الجهازين، هي حملة منهجية وآخذة بالتصاعد، وجاء رد فعل نتنياهو بتعيين هيئة تحقيق باتخاذ القرار باطلاق سراح مدير الشفاء دون علم مسبق لرئيس الحكومة ووزير الامن، ودون مصادقة المستوى السياسي، على الرغم من ان الصلاحيات القانونية في هذه الحالة هي للشاباك والجيش. إلا ان الحملة التي يقودها كل من نتنياهو وسموتريتش وبن غفير تهدف الى منع قائد الاركان من اجراء تعيينات مستحقة في مواقع قيادية للجيش ضمن صلاحياته، بل الهدف هو تغيير جوهري في هوية الجيش وتحويله من "جيش الشعب" الى جيش بروح الصهيونية الدينية ليكون جاهزا في اعطاء الأولوية لتطبيق سياسة الحكومة وليس للقانون، وهو جزء من الانقلاب القضائي الذي سبق الحرب ليعود حاليا وبكل قوة.
من تداعيات ورطة الحرب على غزة والصراع بين المنظومات والحملة ضد الجيش، أكدت صحيفة "يسرائيل هيوم" ارتفاع نسبة الضباط في المستويات الوسطى والذين يطلبون انهاء الخدمة في الجيش بنسبة نحو 600% لترتفع من 160 بالمعدل السنوي قبل الحرب الى 900 منذ بدء الحرب.
"الهدف هو تغيير جوهري في هوية الجيش وتحويله من "جيش الشعب" الى جيش بروح الصهيونية الدينية" | تصوير: غعلام الجيش
 في المقابل يقوم الجيش في الأول من تموز يوليو بتسريح 6700 جندي من قوات الاحتياط بعد تخفيض سن التسريح من الخدمة العسكري بعام، ليصرح وزير الحرب غالنت بأن مفتاح الحل لهذه الازمة في ايدي الاحزاب الحريدية وغانتس مشيرا الى عدم وجود توافق بصدد تجنيد الحريديم على الرغم قرار المحكمة العليا الملزم لكنه فعليا قد عمق الصراعات، ويدعو غالانت الى تجنيد فوري لـ 4700 جندي من الحريديم. في موازاة ذلك قد يدفع الوضع الحالي وفقدان الرتابة التنظيمية بين المنظومات الأمنية الى استقالات في الاجهزة الأمنية الاخرى، وحصريا الشرطة التي قد تشهد تفككا وفقا للاعلام الاسرائيلي بعد ان اعتمد بن غفير لنفسه صلاحيات للتدخل المباشر في عمل الشرطة الميداني.
في الخلاصة فإن الصراعات بين المستويين السياسي والأمني هي نتاج مباشر لاخفاقات الحرب على غزة والورطة التي تحولت الى استراتيجية. كما ان الصراع المكشوف بين المنظومات الأمنية يكشف عمق هيمنة بن غفير على جهازي مصلحة السجون والشرطة. وفي حين ان قرار المنظومة الأمنية بما فيها الجيش والشاباك ومجلس الامن القومي الافراج عن ابو سلمية وزملائه دون ابلاغ المستوى السياسي ممثلا بنتنياهو وغالنت يندرج ضمن صلاحيات هذه المنظومات قانونيا، الا انه ايضا اثبات اضافي لعمق الفجوة وعدم الثقة بقدرة المستوى السياسي على اتخاذ القرارات الضرورية.
انكشاف حالة الاسرى وظروف السجون هو شأن فلسطيني وعربي وعالمي في توجيه الانظار الى الكارثة المحدقة في أوضاع الاسرى الذين يواجهون التجويع حتى الموت والتعذيب حتى الموت والإهانة حتى الموت.

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

الضفة: لا إجلاء مؤقت ولا نزوح مؤقت

2024/08/30 09:44

عن خطأ إسقاط التجربة الجزائرية على التجربة...

2024/08/10 19:15

زيارة نتنياهو لواشنطن... وعلاقة الولايات...

2024/07/23 15:01

نتنياهو يلجأ الى الضبابية - ماذا يريد من...

2024/07/19 17:20

صفقة التبادل في مهب السياسة الداخلية في...

2024/07/19 16:34