رأي

د. أحمد رفيق عوض

اسرائيل تصطدم بالصخور - تبدأ الحرب لأسباب وتنتهي لأسباب أخرى تمامًا

الآن، وبعد كل هذا الوقت الذي شهد الكثير من الدم والدمار، وتمدد الصراع وتداعياته لساحات وأطراف أخرى، وبعد كل هذه الخسارات وخيبات الأمل، فأن الحرب في مكان آخر تمامًا | تحليل د. أحمد رفيق عوض
"لم تعد اسرائيل تحارب الشعب الفلسطيني فقط" - مظاهرات تعمّ دول العالم

الاجماع الدولي الذي حظيت به اسرائيل بعد السابع من أكتوبر والالتفاف الجماهيري الاسرائيلي الداخلي كان غير مسبوق في تأييد الحرب المجنونة على الشعب الفلسطيني. وقد صُوّرت هذه الحرب بأعتبارها الحرب التي ستضع حدودا وتطرح إجابات لهذا الصراع الطويل والباهظ ، وبدا وكأن اسرائيل قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة، فيما صمت القريب والبعيد انتظارا للنتائج المتوقعة أو المأمولة أو المطلوبة. ليس هذا فقط، بل تدفقت المساعدات العسكرية والتغطية السياسية وحتى التبريرات الاخلاقية لفظائع لم يكن إلا الأعمى الحاقد لا يراها. 

كان يمكن لهذه الحرب ان تكون حربًا سريعة وحاسمة وبدون اضرار سياسية أو اخلاقية، كان يمكن تبريرها أو تمريرها كما اعتاد الغرب الاستعماري ان يفعل اتجاه تصرفات اسرائيل وأخطائها و خطاياها. لكن الأمر لم يكن كذلك هذه المرة، فقد بدأت الحرب بعدة أهداف ضمن أهداف اخرى مضمرة أو مسكوت عنها، وكان لا يمكن إلا ان يرى المدقق ان هذه الحرب ذات مستويات عديدة من الأهداف القريبة والبعيدة، الظاهرة وغير الظاهرة.

"الحرب تتحول الى ان تكون حربا أخرى غير تلك التي كانت" | تصوير: إعلام الجيش

الآن، وبعد كل هذا الوقت الذي شهد الكثير من الدم والدمار، و تمدد الصراع وتداعياته لساحات وأطراف أخرى، وبعد كل هذه الخسارات وخيبات الأمل، فأن الحرب في مكان آخر تماما. فالحرب تغير المشاركين فيها والمشاهدين لها - الحرب تغير ميدانها وادواتها و اهدافها الى درجة انها تتحول الى ان تكون حربا أخرى غير تلك التي كانت.

بعد ما يقرب من ثمانية اشهر فأن الحرب المجنونة أدت فيما أدت اليه الى ما يلي:

أولاً: لم تعد اسرائيل تحارب الشعب الفلسطيني فقط، بل انها اصبحت تحارب القانون الدولي ودولا أخرى ونخبا وجامعات ومنصات اعلامية وهيئات دولية متعددة. توسعت الحرب كثيرا وكان على اسرائيل ان تحارب على جبهات لم تكن في الحسبان على الاطلاق.

هي الان حرب اخرى ، يضطر فيها بعض قادة اسرائيل الى التهديد العلني بالسحق و المحق لكل من يقف في طريقهم .

ثانيًا: خسارات اسرائيل لا تقتصر على المعدود أو المحسوس بل اصبحت هذه الخسائر على مستوى الصورة والرواية. فقد صارت هناك مراجعات قاسية لصورة اسرائيل وسياساتها وتدخلاتها وتأثيراتها وطبيعة العلاقة المستقبلية معها؛ هذه التغيرات أخذت في الظهور أكثر فأكثر في ذلك الانفصال والانفصام ما بين صنّاع القرارات الغربي والشارع لديهم.

احتجاجات طلاب الجامعات في أمريكا - "خسائر اسرائيل على مستوى الصورة والرواية"
"تحركات دولية ضد إرادة واشنطن" - العدل الدولية

ثالثًا: الولايات المتحدة هي القوة الأكثر سيطرة وتأثيرا في الصراع العربي الاسرائيلي، ولكنها ومنذ السابع من أكتوبر منيت بالكثير من الخسائر أيضًا. فقد تحركت الهيئات الدولية ضد ارادتها الى حد ما، وكذلك برزت الى السطح مواقف لم تكن أمريكا راضية عنها؛ ان محاصرة أمريكا واسرائيل بهذه الطريقة يعني ان النظام العالمي الحالي لم يعد يعكس الصورة الحقيقية لما هي عليه الاوضاع.

رابعًا: طرأت تغيرات ليست شكلية على مواقف وتوجهات الاقليم العربي، وربما كان على هذا الاقليم الآن الاستفادة من كل ما يجري، اذ لا يمكن الاستمرار في ذات العلاقة و ذات التوجه كأن شيئا لم يكن؛ لا بد من البناء على ما يجري في العالم، وهي فرصة كبيرة.

خامسًا: السلطة الوطنية الفلسطينية التي يتم تجاوزها أو الضغط عليها أو حتى اسقاطها كما ترغب حكومة اسرائيل مدعوة هي الأخرى ان تسبق الأحداث وتتجاوزها، فالبحث الآن يتم عن أطراف أخرى، وعن إدارات أخرى برعايات متعددة وذلك يعني ببساطة اما تجاوز ما هو قائم أو خلق كيان جديد مقسّم ومُجزأ ولا يمثل. لهذا فأن السلطة الوطنية وبعد ثمانية اشهر امام مفترق طرق صعب جدا، وربما يكون الأخطر في تاريخها القصير.

"اسرائيل أكثر جدلاً وخلافًا" - من المظاهرات المطالبة بصفقة تبادل فورية، هذا الأسبوع

سادسًا: اسرائيل وبعد ثمانية اشهر من حربها على الشعب الفلسطيني، تبدو أكثر جدلا وأكثر انعزالا وأكثر تورطا وأكثر أعداءً وأكثر خوفا، وما كان ذلك ليكون لولا عقم القيادة في اسرائيل وخواؤها ورغبتها في الحصول على كل شيء دون دفع استحقاق لاي شيء، بعد ثمانية اشهر من حرب لم تكن من قبل.

يقول قادة اسرائيليون انهم لم ينتصروا على الاطلاق؛ فما هو الانتصار الذي يحلم به الاسرائيليون بعد كل هذا الدمار والخراب والدم؟! ربما كان هذا العمى والغباء الذي أودى بإسرائيل ان تصطدم بالصخور، تلك التي أشار اليها غانتس في تهديده المسرحي.

هذه هي الحرب، تبدأ بمقدمات وأسباب وأهداف، وتنتهي لما هو غير متوقع على الإطلاق. 

● الكاتب رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية - جامعة القدس

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

الضفة: لا إجلاء مؤقت ولا نزوح مؤقت

2024/08/30 09:44

عن خطأ إسقاط التجربة الجزائرية على التجربة...

2024/08/10 19:15

زيارة نتنياهو لواشنطن... وعلاقة الولايات...

2024/07/23 15:01

نتنياهو يلجأ الى الضبابية - ماذا يريد من...

2024/07/19 17:20

صفقة التبادل في مهب السياسة الداخلية في...

2024/07/19 16:34