أخبارنا

المؤرخ الفلسطيني محمود يزبك لـ الشبيبة: محاولات التهويد و"الأسرلة" لم تنجح إلى الآن

 

تدريس النكبة

 

ويوضح يزبك المولود في مدينة الناصرة الفلسطينية، أنه اتجه نحو التعبير عن أعماق الأشخاص لاستخلاص معاني المعاناة وألوانها، حيث تصبح القصة الفردية نمطاً يعبّر عن المأساة الجمعية لشعبٍ بأكمله، وذلك بهدف جعل المعاناة الفلسطينية إثر النكبة أكثر وضوحاً وعمقاً، وقد نُشرت أبحاثه التي تؤسس للمعاناة الإنسانية للنكبة، بلغاتٍ أجنبية، ثم تُرجمت للعربية حتى يتسنّى للقارئ العربي أيضاً التفاعل مع آثار النكبة الفلسطينية.

 

 

ويقول يزبك الذي صدرت له مجموعة من الكتب أبرزها: "النظم الإدارية والبنى الاجتماعية في حيفا في أواخر العهد العثماني (1870-1914)"، وكتاب في هولندا باللغة الإنجليزية يحمل عنوان "حيفا ما قبل وما بعد 1948.. سرديات لمدينة مختلطة"، إنه في مقابل جهل العرب بتاريخ النكبة الفلسطينية وفي سياسات الدول العظمى في الشرق الأوسط عامة، هناك اهتمام شديد لدى المؤسسات الإسرائيلية الثقافية والتعليمية والعسكرية لتدريس رواية صهيونية للتاريخ، وبخاصة لتاريخ النكبة، وقد حاولت هذه المؤسسات إزالة المعالم العربية الفلسطينية -الإسلامية والمسيحية- وتدوين تأريخ آخر لجعلها معالمَ ذات علاقة باليهودية.

 

مرحلة حرجة مؤقتة

 

ويوضح يزبك الذي عمل محاضراً وأستاذاً زائراً في جامعة أكسفورد (2004-2006)، أن الشوفينية التي تتفشى في المجتمع الإسرائيلي اليهودي، دلالة على ضعف المجتمع الإسرائيلي أمام التحديات التي يفرضها المجتمع الفلسطيني عليه. ويرى أن الشعوب العربية تمرّ بمرحلة حرجة ولكن ذلك أمر مؤقت، وقد تنهض منها نافضةً عنها كل غبار التخلف والانقسام، والمجتمع الإسرائيلي يخشى ذلك خشية حقيقية. أما المجتمع الفلسطيني والذي عانى كثيراً بعد النكبة فقد استطاع أن يبني نفسه من جديد ويستفيق من نكبته معتزاً بانتمائه القومي.

 

 

برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة التوجه نحو التاريخ الاجتماعي للشعوب بوصفها أكثر صدقية وموثوقية من التاريخ السياسي، كيف ترى إلى هذا التوجّه، وما مدى حضوره عربياً؟ 

 

 

لقد انتشرت مدارس التاريخ الاجتماعي في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وأصبحت فرعاً معترَفاً به في دراسة التاريخ. وانتشر هذا التوجه نظراً لأن التاريخ الاجتماعي يوثق بصورة دقيقة وواضحة لتاريخ الشعوب وحضاراتها وحركاتها الاجتماعية، مما يصور التغيرات التي طرأت على المجتمع الإنساني بعامة أو على مجتمعٍ بعينه. 

 

 

وهكذا، وبعد انقضاء الكولونيالية الأوروبية التي نظرت إلى الآخرين نظرةَ دونية، أظهر التاريخ الاجتماعي مدى خطأ تلك الفكرة التي سعت لتأسيس سيطرة الغرب على بقية شعوب المعمورة. 

 

 

وبينما انشغلت المجتمعات التي تحررت من الاستعمار الغربي بسرد تاريخها السياسي خدمةً لمصالح القيادات الحقيقية والمتخيَّلة وتمجيداً للنخب السياسية، غابت عن المشهد السياسي صور الناس "العاديين" الذين ضحّوا بكل ثمين للمشاركة في تحرير أوطانهم. 

 

 

لقد أظهر التوجه للتاريخ الاجتماعي وجوهَ أفراد المجتمع، ووضعهم في صفحات التاريخ، وسلّط الضوء عليهم وعلى بطولاتهم ومعاناتهم وزراعتهم واقتصادهم وعاداتهم وتقاليدهم وغيره. فلم تعد القرية مهمَّشة، بل هي مكان يعجّ بالتاريخ والحضارة والاعتزاز. وعلى الرغم مما أنجزه التاريخ الاجتماعي في العالم العربي إلاّ أنه ما زال في بداياته. 

 

 

أنت أحد الذين اشتغلوا بدأبٍ على أنسنة التاريخ الاجتماعي في فلسطين، حدثنا عن هذا التوجّه ومسوِّغاته.

 

 

لقد انشغل المؤرخون العرب والفلسطينيون، ولعقود عدة بعد نكبة 1948، بمحاولات كثيرة لشرح وفهم هذا الحدث الجلل (النكبة) بالتركيز على الأحداث السياسية المتعلقة بالدول العظمى ودورها في النكبة الفلسطينية. ولم يَنَل الإنسان المنكوب لفتةً تشرح معاناته الإنسانية والظلم الذي وقع عليه. 

 

 

ونتيجة لهذه الثغرة في كتابة التأريخ الفلسطيني بخاصة، والمجتمعات العربية بعامة، غاب وجه الإنسان عن مسرح التاريخ، رغم أنه هو العامل الأهم في الواقع التأريخي. 

 

 

لقد توجهت مدارس التأريخ الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وبقوة، نحو دراسة التأريخ الاجتماعي، وأخذ الإنسانُ ومعاناته من الحرب نصيباً كبيراً في كتابة التاريخ، وأصبحت قصص المعاناة الفردية أكثر تأثيراً ووضوحاً في فهم دروس التاريخ وعِبَره. 

 

 

لذا تخصصتُ في العديد من دراساتي بعرض صور من التاريخ الاجتماعي الفلسطيني في حقب مختلفة، وقد أثبتَت الدراساتُ مدى التنوع الاجتماعي والثراء الإنساني لفلسطين قبل النكبة. 

 

 

وكي تصبح المعاناة الفلسطينية إثر النكبة أكثر وضوحاً وعمقاً، اتجهتُ نحو بحث المعاناة الشخصية والفردية والغوص في أعماق الأشخاص لاستخلاص معاني المعاناة وألوانها، حيث تصبح القصة الفردية نمطاً يعبّر عن المأساة الجمعية لشعبٍ بأكمله. 

 

 

وقد نشرتُ هذه الأبحاث التي تؤسس للمعاناة الإنسانية للنكبة، بلغاتٍ أجنبية، ثم تُرجمت للعربية حتى يتسنّى للقارئ العربي أيضاً التفاعل مع آثار النكبة الفلسطينية التي ستبقى، على ما يبدو، ممتدة لعقود قادمة كثيرة.

 

سرديات التاريخ اليهودي

 

 

في إطار عملك في مجال التاريخ الاجتماعي، تُفَضّل الكتابةَ اعتماداً على قصص حقيقية تبني عليها سرديّة تاريخية علمية، هل يأتي هذا في مواجهة ما روَّج له اليهود وهم يتحدثون عن "الهولوكوست"؟ 

 

 

قرأتُ الكثير من سرديات التاريخ اليهودي خلال "الهولوكست"، وممّا لفت نظري تلك الروايات التي تحدّثت عن المعاناة الفردية كمثال على معاناة بقية اليهود. وقد سعيتُ إلى تطبيق نهج هذه المدرسة في الكتابة التاريخية، لتوثيق المعاناة الفلسطينية التي عاناها أفراد المجتمع الفلسطيني إثر النكبة. 

 

 

ومن أجل هذا اخترت مجموعة من الأمثلة الفردية وصغْتُها بقالبٍ علمي، أي قمتُ بتوثيق علمي للمعلومات الشفهية والشهادات والوثائق الأرشيفية ورواية قصة الفرد والعائلة والبيت، مما وضح مدى المعاناة وأظهر عمق الجراح ومعنى الحزن، وكذلك المعنى الإنساني لمصطلح "النكبة الفلسطينية".

 

 

بوصفك مطّلعاً على خطوات الكيان الصهيوني لأسرلة التاريخ الفلسطيني، نود أن نعرف أكثر عن هذه الخطوات الرامية إلى طمس معالم الحضور الفلسطيني.

 

 

مع جهل العرب بتاريخ النكبة الفلسطينية وبالتالي جهلهم بسياسات الدول العظمى في الشرق الأوسط عامة، نجد اهتماماً شديداً ومكثفاً وعميقاً لدى المؤسسات الإسرائيلية الثقافية والتعليمية والعسكرية لتدريس رواية صهيونية للتاريخ، وبخاصة لتاريخ النكبة. 

 

 

وبعد عام النكبة (1948) قامت المؤسسات الإسرائيلية، وعن طريق سياسات ذات مناهج ومساقات وبرامج مكثفة، بمحاولة إزالة المعالم العربية الفلسطينية -الإسلامية والمسيحية- وتدوين تأريخ آخر لجعلها معالمَ ذات علاقة باليهودية. 

 

 

وعلى سبيل المثال؛ قامت المؤسسات الإسرائيلية بإزالة الأسماء العربية للمواقع الفلسطينية، كالسهول والجبال والمدن والقرى، ووضع أسماء عبرية بدلاً منها لخلق انطباع بأن فلسطين العربية هي امتداد للتاريخ اليهودي من أيام التوراة. 

 

 

لكن، وعلى الرغم من تأليف عشرات الأطالس التي "تُعَبْرِن" الأسماء العربية، لم تنجح هذه المحاولات، ولن تنجح ما دام قسم من شعب فلسطين يعيش على أرضه ويحمل معه وفي ذاكرته أسماء المواقع العربية ويتناقل روايات التاريخ العربي. 

 

ماذا عن المساعي المضادّة التي يقوم بها الفلسطينيون؛ هل من جهات داعمة لها؟ هل من خطوات مؤسسية؟ وهل من ثمرةٍ لجهودها؟

 

 

على الرغم من قلّة الموارد وحتى غيابها كلّياً لدى الفلسطينيين الذين يعيشون في وطنهم ويُعرَفون عادةً باسم "فلسطينيو الداخل" أو "عرب 48"، إلاّ أنهم استطاعوا التصدي للمحاولات الإسرائيلية سابقة الذكر، وقد نجحوا في إفشالها في العديد من الأحيان، وبقيت اللغة العربية تصدح بفضاء الأرض الفلسطينية، وما زال رمضان والأضحى والفطر والإسراء والمعراج ورأس السنة الهجرية وميلاد السيّد المسيح والفصح المجيد ورأس السنة الميلادية تبهج أبناء فلسطين في أراضي 48 كما في أراضي 67، وما زالت أصوات الأذان تصدح خمس مرّات، وأجراس الكنائس تقرع في كل المناسبات على الرغم من محاولات طمسها وقطعها. 

 

 

وفي واقع الحال، ما دام هناك إنسان فلسطيني يفتخر بانتمائه العربي والإسلامي ويعيش فوق الأرض الفلسطينية، فستفشل كل المخططات لتغيير الواقع العربي لفلسطين. 

 

 

إن عيْشَ الإنسان الفلسطيني في أرضه وتشبثه بتراب وطنه، أهم الخطوات التي أفشلت كل المخططات لأسرلة الجغرافيا الفلسطينية. وهذا البقاء بحاجة إلى دعم معنوي من كل العرب المنشغلين حاليا بمآسٍ تفوق طاقاتهم. 

 

سردية فلسطينية

 

 

ما الذي ينقص العرب ليُنتجوا سردية فلسطينية -ما زالت غائبة للأسف- في ظل اجتياح السرديّة التاريخية الإسرائيلية للمشهد وتأثيرها في الرأي العام الدولي؟ 

 

لا ينقص المؤرخين العرب لينتجوا سردية فلسطينية واقعية، سوى الإرادة والوعي لأهمية كتاباتهم التاريخية. 

 

 

هناك العديد من المحاولات الناجحة في هذا المضمار، إلاّ أنها محاولات فردية ولم ترعَها مؤسسة أكاديمية لترتقي إلى منهجٍ ومدرسة في الكتابة التاريخية. وهذا طبعاً يتطلب جهداً كبيراً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من التاريخ الشفوي والمحفوظات العائلية والصحافة ووضعها بين يدي الباحث. 

 

 

وبما أننا دخلنا عصر الشبكة العنكبوتية، فمن الواجب أن تتوفر هذه الأدوات للجميع من دون قيد أو شرط. ومن المطلوب أيضاً ترجمة الأبحاث الناجحة للغاتٍ أجنبية كي تصبح في متناول الباحث الغربي والقارئ المهتم، وهذا بالضبط ما تفعله الأكاديميا الإسرائيلية ليكون إنتاجها عالمياً وتأثيرها دولياً.

 

 

 

ترأَّسْتَ إدارة جمعية "عدالة" الحقوقية التي تعنى بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين في الداخل، ونجحتم في تغيير عدد من التشريعات "الإسرائيلية" التي تنطوي على موقف تمييزي وعنصري ضد العرب، حدثنا عن هذه التجربة.

 

 

جمعية "عدالة" الحقوقية هي منظمة من منظمات المجتمع الفلسطيني في أراضي 48 تأسست في أواخر تسعينات القرن العشرين. وكانت هناك حاجة ماسّة لتأسيسها لمواجهة قوانين إسرائيلية سعت لمحاصرة الوجود الفلسطيني داخل "إسرائيل" ومصادرة ما تبقى من أملاك الفلسطينيين وإزالة حقوقهم المدنية. 

 

 

وقد قامت جمعية "عدالة" الحقوقية بالتصدي لتلك المحاولات، وفي بعض الأحيان أفشلتها. من المهم أن نذْكر هنا أن الدعم الجماهيري والمساندة الشعبية لنشاطات الجمعية من أبرز عوامل نجاحها في التعامل مع التشريعات الإسرائيلية ضد الجماهير الفلسطينية. 

 

 

على سبيل المثال، خاضت الجمعية مرافعات قضائية ضد التمييز ما بين العربي الفلسطيني واليهودي بميزانيات التعليم والسلّة الثقافية والاجتماعية التي توفرها المؤسسات الإسرائيلية. وفي العديد من الحالات نجحت بذلك. كما خاضت معارك قضائية مهمة في مواجهة محاولات اليمين الصهيوني منع القوائم العربية الوطنية من خوض الانتخابات العامة، ونجحت في العديد من المرات بإفشال تلك المشاريع. 

 

بالإضافة إلى ذلك، تعمل الجمعية على توعية الجماهير الفلسطينية بحقوقها الفردية والجماعية والمطالبة بها، لأن الحق يؤخَذ ولا يُعطى. 

 

قانون "قعدان" 

 

كلما ذُكرت جمعية "عدالة" ذُكر معها قانون "قعدان".. نود أن نعرف أكثر عن هذا القانون

 

 

لقد عانى الفلسطينيون الذين بقيوا في وطنهم في حدود 1948 الأمرَّين من التشريعات الإسرائيلية الظالمة التي تصادر أملاكهم وأراضيهم وتبقيهم من دون ملْك أو مأوى. وبينما لم يتجاوز عدد فلسطينيي 48 في عام النكبة 150 ألفاً، فإن عددهم اليوم يقارب مليونَي فلسطيني. ونتيجة لمصادرة أراضيهم لصالح المدن والقرى اليهودية لم تعد مسطحات القرى والمدن العربية تكفي لسكناهم في قراهم ومدنهم. 

 

 

وقد أخذ العديد من الشباب الفلسطيني ينتقل للسكنى في مدن وتجمعات سكنية يهودية أقيمت حديثاً على أراضيهم المصادرة. وحين حاول الشاب "قعدان" وزوجته، وهما من قرية باقة الغربية، شراء قطعة أرض في قرية يهودية مجاورة لباقة الغربية أقيمت على أرضهم المصادَرة، عارضتهم سلطات القرية اليهودية ومنعتهم من ذلك. 

 

 

وقد تصدّت جمعية "عدالة" لهذا المنع وتوجهت للقضاء في معركة استمرت عقداً من الزمان، وفي نهايتها أقرّت المحكمة العليا بعدم شرعية منع عائلة "قعدان" من امتلاك قطعة أرض وبناء بيتهم في تلك القرية اليهودية. واشتهر هذا الحكم لأنه أصبح قاعدة قانونية أساسية شرعّت لحق الفلسطيني المواطن بامتلاك بيته أينما شاء. بمعنى أنه يستطيع شراء ولو بعض ملْك أبيه أو جده واستعادته ليبني عليه بيته.

 

 

نحن لنا الحق في أرضنا، حتى وإن أقيمت عليها قرية أو مدينة يهودية. والمصادرة الحكومية لا يمكنها مصادرة حقوقنا التاريخية أو المعنوية. 

 

نضال طويل

 

 

كيف تقيِّم الحضور العربي داخل الخطّ الأخضر، وما تأثيره في الهيئات التمثيلية (الكنيست نموذجاً)؟

 

 

الممارسة السياسية للفلسطينيين في أراضي 48 حقّ انتُزع من خلال نضال طويل. لم يُعْطَ هذا الحق لنا، بل أخذناه أخذاً بعد اعتصامات وتضحيات كثيرة. والبرلمان من أهم المنابر لإسماع صوت الأقلية في العادة. وبعد أن أخذ الفلسطينيون حقهم بإنشاء أحزابهم الوطنية، ولتأكيد انتماء الجمهور الفلسطيني للهوية الفلسطينية وللقومية العربية، انتقلنا لمرحلة المشاركة في الانتخابات البرلمانية العامة لننتخب ممثلينا الفلسطينيين ليرفعوا عالياً صوتنا في البرلمان الإسرائيلي.

 

 

أعتقد أن هذه التجربة كانت مهمة جداً في تثبيت هويتنا، وإبعاد الأحزاب الصهيونية عن بيئتنا. لقد أسمعنا صوتَنا للمؤسسة الإسرائيلية، وكذلك للعالم الذي تناسى وجودنا. ونحن اليوم على الخارطة السياسية، رغماً عن كل من حاول تجاهلنا أو تغييبنا. 

 

 

وهنا لديّ كلمة عتاب لأبناء شعبنا العربي في كلّ مكان: نحن -أبناء فلسطين- لم نرحل، ونحن مَن جعل بلادنا تستمر "تتكلم عربي" على الرغم من تناسيكم لنا.

 

 

 

ألا ينذر التوجّه الصهيوني نحو إقرار يهودية الدولة، بزوال هذا الكيان المتقوقع على نفسه؟ وهل تعتقد أن ربط الدين بـ"الدولة" والقومية يمكن أن يعزّز من دعائم "الدولة" ويمنحها الدَّيمومة؟

 

 

هذا التوجه دليل واضح للقومية الشوفينية التي تتفشى في المجتمع الإسرائيلي اليهودي، بل هو دلالة ضعف أمام التحديات التي يفرضها المجتمع الفلسطيني على المجتمع الاسرائيلي. حقيقة أن العالم العربي يمرّ بمرحلة حرجة ولكن ذلك أمراً مؤقتاً، وقد ينهض منه مجتمعاً جديداً نافضاً عنه كل غبار التخلف والانقسام، والمجتمع الإسرائيلي يخشى ذلك خشية حقيقية. أما المجتمع الفلسطيني والذي عانى كثيراً بعد النكبة فاستطاع أن يبني نفسه من جديد ويستفيق من نكبته معتزاً بانتمائه القومي، ومفتخراً بعلمه الوطني، وحافظاً لتراثه الوطني، وقافزاً عن آثار نكبته.. وهذا ما أخاف الجماعات الشوفينية في المجتمع الإسرائيلي فاعتقدوا أن باستطاعتهم الحدّ من استفاقة شعب فلسطين في الداخل عن طريق تشريع "الدولة اليهودية"؛ أي تهميش الدور الفلسطيني ومنع الفلسطينيون من إحياء ذاكرتهم الوطنية، مثل إحياء ذكرى "يوم النكبة" أو "يوم العودة" أو "يوم الأرض" وغيرها.

 

 

وباعتقادي أن هذا التوجه العنصري والقومي الشوفيني لن يثني المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل عن مسيرته الوطنية واعتزازه القومي وإثبات حقه في العيش الكريم في وطن الآباء والأجداد ما دامت أرض فلسطين تنبت زيتوناً وزعتراً ودحنوناً. نحن ملح هذه الأرض... و"على هذه الأرض ما يستحق الحياة".

 

 

اعتُبِرَ تعيينك رئيساً لقسم تاريخ الشرق الأوسط بجامعة حيفا إنجازاً للوسط العربي، من أي زاوية تنظر لهذا الموضوع؟

 

 

خلال مسيرة شعبنا بعد النكبة وبعد القضاء على كل مقدرات شعبنا في الداخل، تمّ القضاء على البنية الثقافية الفلسطينية التي سادت قبل عام النكبة. ثم بدأت مسيرتنا تنمو بعد عام 1948، على الرغم من كلّ المعوقات، حتى بدأت تنشأ في الجيل الثاني بعد النكبة مجموعات مثقفة تبني وتؤسس لأبناء الجيل الثالث ليثبت الهوية الثقافية ويبني المؤسسة التعليمية. 

 

 

وقد استطاع أبناء الجيل الثالث بعد النكبة منافسة المجتمع اليهودي، وأثبت مَن ورثوا النكبة أنهم عمالقة ينتمون لشعب يأبى أن يقبل الذلّ والهوان، وبزّوا حكامهم وتفوقوا عليهم، وأصبح منهم أعظم الأطباء والمهندسين والمخترعين والمحامين والأكاديميين الذين لمعت أسماؤهم في أهم جامعات العالم. 

 

 

وبعد هذا فرضْنا أنفسَنا على المؤسسات الإسرائيلية التي أرادتنا أن نبقى "حطّابين وسقاة ماء"، فأصبحنا من أكثر الناس علماً وثقة بأنفسنا. ولم يعد غريباً أن نصبح رؤساء أقسام في الجامعات أو في المستشفيات أو في غيرها. نحن وصلنا لهذا لأننا الأفضل وليس بمنّة من أحد

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

مؤتمر المبادرة الاجتماعية الثالث: التمكين...

2024/11/05 16:34

بيان: اعتداء وحشي على الزعيم الوطني مروان...

2024/10/27 21:33

شروط الجيش لوقف الحرب مع حزب الله

2024/10/14 13:58

طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران؛ "الفجوات...

2024/10/11 10:05

مقتل 3 جنود في تفجير عبوة ناسفة شمال القطاع

2024/10/10 20:48