أخبارنا

د. أحمد رفيق عوض

د. احمد رفيق عوض | أزمات، جامعات وعقوبات

أزمات: اسرائيل تدخل مرحلة أكثر انكشافًا وأكثر عطبًا وتعبًا ● جامعات: الأمر ملفت جدًا - احتجاجات الطلاب في الغرب، فماذا مع طلابنا؟ ● عقوبات: يبدو الأمر وكأنه خلاف في البيت الواحد ما بين الأخ الأكبر الأمريكي والبنت المراهقة المتهورة إسرائيل
احتجاجات الطلبة في الجامعات الأمريكية | تصوير: مواقع التواصل

01

"أزمات إسرائيل"               

 بعد مئتين وخمسة أيام تدخل اسرائيل مرحلة أخرى مختلفة تماما، مرحلة بدون أكاذيب أو ادعاءات، لا انتصارات واضحة ولا بطولات زائفة ولا أدوارا  مدعاة، مرحلة تبدو فيها اسرائيل أكثر انكشافًا واكثر عطبًا وتعبًا، مرحلة زادت فيها الأعباء والجبهات والاتهامات والصراعات - هي مرحلة يدخلها كل محتل في العادة، حيث عليه ان يواجه انهيارات كثيرة متتابعة ومتلاحقة: انهيار الفرد من الداخل، وانهيار السردية الجامعة وانهيار الأحلام، وانهيار الأوهام.

مظاهرات تطالب بابرام صفقة تبادل | مواقع التواصل
المظاهرات في اسرائيل احتجاجًا على الإنقلاب القضائي | أرشيفية

ولأن ذلك كذلك، فهي مرحلة العناد والتطرف أيضا، فالمحتل عادة عندما يصطدم بحقائق الواقع واشتراطاته، فانه يعاند ويرفض الاعتراف أو الاستسلام ويحاول ان ينفصم عن الواقع كليًا، الأمر الذي يزيد في حدة أزمته. وعلى الرغم من أن التسوية  قد تنقذ المحتل من أزمته، ولكنه - للعجب - يرفض ذلك  لأنه يعتبرها خضوعًا لواقع يهرب منه أو يرفض التعامل معه  فيغرق أكثر وأكثر.

02

"الطالب عندنا والطالب عندهم"

انزعجت كثيرًا عندما قرأت كلامًا لكاتب فلسطيني أحترمه قال فيه إن الطالب عندنا لا يحتج إلا انتصارًا لعواطفه او غرائزه، أي إذا لحق بفصيله او عشيرته او دينه أذى، ولكنه لا يحتج اذا لحق بالقيم العليا ظلم او اعتداء، أي ان هذا الكاتب اعتبر الطالب عندنا عاطفي وغرائزي وان انتماءاته ومرجعياته ضيقة وأنه ذو أفق ضيق.

 والحقيقة ان الأمر ملفت جدًا، فلماذا تحتج جامعات الغرب الاستعماري فيما لا يعرب طلاب جامعاتنا العربية عن آرائهم أو تضامنهم أو حميتهم القومية أو الدينية، وللإجابة لابد من القول ان كل ظاهرة اجتماعية ليس لها سبب واحد، كما أنها لا تتعلق بالذات فقط  بل بالموضوع أيضا.

احتجاج الجامعات: "الوقوف مع غزة هو أيضًا دفاعًا عن الذات" | تصوير: مواقع التواصل

وقبل كل شيء ، فإننا نحيي كل طالب او أستاذ جامعة ضحّى بوقته وجهده من أجل التظاهر والوقوف مع شعبنا الفلسطيني، ونعتبر ذلك ترجمة رائعة ومشرفة  للضمائر الحية والمواقف الباهرة التي قد تغير وجه التاريخ، ولكن هذا لا يمنع ان نقول ان هذه المظاهرات التي تجتاح جامعات الغرب الاستعماري إنما هي تعبير عن سقوط السردية الإسرائيلية وبسبب من التشدد الكبير والتزمت في استخدام هراوة معاداة السامية التي حولت جماعة محدودة إلى جماعة مقدسة لا تمسّ ولا تنتقد ولا تحاسب ومن ثم استثمار ذلك سياسيا وامنيا وماليا، أي ان الوقوف مع غزة هو أيضًا دفاع عن الذات ومحاولة لتصحيح الصورة ومحاولة لكسر القيود ونظام العقوبات الذي يمكن من خلاله اغتيال أي شخصية معنويا، وكذلك هي مناسبة للاحتجاج على أساليب الاستغلال والاستغفال والابتزاز والحصول على الدعم السياسي لصالح إسرائيل بلا حساب.

احتجاج الجامعات الأمريكية: "تعبير حقيقي عن الانحياز للقيم العليا" | مواقع التواصل

احتجاجات الغرب، وعلى الرغم من أنها تعبير حقيقي عن الانحياز للقيم العليا، لكنها أيضا مناسبة سانحة وهامة لتعرية كل تلك الأنظمة والقيود التي تكبل الجميع لمنعهم من الانتقاد والمساءلة. أما الطالب في عالمنا العربي، فهو مهدور الكرامة، مبعد عن الجدل العام، متهم منذ البداية بالأجندات، فقير وخائف ومعطّل، تحت نظام سياسي متوتر ومتوجس ومتهم بشبهة التمثيل والشرعية. لهذا، فان المظاهرة تخيفه ومشاركة المواطن ترعبه، ولأن العلاقة الطبيعية  بين الحاكم والمحكوم  مقطوعة أو مشوهة او مختطفة، فان الطالب في عالمنا العربي لن يشارك في قضية عامة أعفاه النظام السياسي أصلا من المشاركة فيها تخويفا بالسجن والطرد أولا، أو اغراءً بالامتيازات أو العطايا ثانيًا.

الاحتجاجات في الغرب لها سياقها التاريخي، وعدم الاحتجاجات عندنا لها سياق تاريخي آخر. هل هذا تبرير، بالعكس، هذه إضاءة للوضع بقصد تغييره. 

03

"عقوبات الإدارة الأمريكية"

باختصار، ليس هناك عقوبات أمريكية على اسرائيل، لا على الحكومة أو على وزرائها أو أي من هيئاتها أو دوائرها، كل ما قيل عن تلك العقوبات فهي اما بدون تأثير على الإطلاق أو هي مجرد كلام في الهواء . أكثر من ذلك، فالعقوبات التي تهدد أمريكا بها اسرائيل، هي أيضا عقوبات إعلامية إعلانية لا تساوي الورق الذي كتبت عليه. اذًا، لماذا تهدد أمريكا بأمور لا تستطيع ان تنفذها أو لا تريد ان تنفذها؟!.

"خلافات في البيت الواحد" | تصوير: الإعلام الحكومي

ببساطة ، لأن أمريكا تريد ان تربح كل شيء، أصدقاءها من العرب، الهيئات القانونية الدولية، بعضًا من شارعها الغاضب، قطاعات يسارية من الحزب الديمقراطي، بعض المعارضة الاسرائيلية، بالإضافة للتعبير عن غضب الإدارة الناعم - والحقيقي- من تصرفات الحكومة الاسرائيلية. 

باختصار، تهديدات واشنطن التي لا تنفذ هي أيضا تعبير عن خلافات في البيت الأبيض، وجدالات لم تجد حلولاً، وفي نهاية الأمر، هي أيضًا تعبير عن ضعف هذه الإدارة وعدم قدرتها على القرار. والأهم من كل ذلك، انعدام الضغط الدبلوماسي العربي على صانع القرار الأمريكي. ولهذا، يبدو الأمر وكأنه خلاف في البيت الواحد ما بين الأخ الأكبر الأمريكي والبنت المراهقة المتهورة إسرائيل.

● الكاتب رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية - جامعة القدس

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

مؤتمر المبادرة الاجتماعية الثالث: التمكين...

2024/11/05 16:34

بيان: اعتداء وحشي على الزعيم الوطني مروان...

2024/10/27 21:33

شروط الجيش لوقف الحرب مع حزب الله

2024/10/14 13:58

طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران؛ "الفجوات...

2024/10/11 10:05

مقتل 3 جنود في تفجير عبوة ناسفة شمال القطاع

2024/10/10 20:48