أخبارنا

هشام نفاع يكتب لنظرة من الداخل: ليتحالف الجبهة والتجمع، هذا أهم من كل كنيست اسرائيل!

هشام نفاع | أعرف جيدا وجدًا حجم وكم وعمق ومدى الخصومة السياسية المحاذية للعداء، أحيانا، بين الجبهة والتجمع. اعرف هذا من مصادر أولى. فقسم مهم وعزيز ومحبوب من أصدقائي وصديقاتي اليوميين وما بعد بعد اليوميين هم من التجمع. نتصادم أحيانا بدرجات صاخبة، عندما تبدأ أو تصل أو تنتهي لقاءاتنا على منعطفات السياسة الحزبية أو الإقليمية، لكننا نبقى عمومًا شركاء مئة بالمائة في تحليل حالنا. عمومًا، الصداقات الحقيقية قادرة على، ويجب أن، تستوعب التعددية. الآن نحن أمام انتخابات جديدة لبرلمان دولة اليهود الموقرة.

ما علينا.. هناك سيناريوهات عدة، أولها أن تتحالف الكتل الثلاث، جبهة وتجمع وموحدة. لكنه سيناريو هش العظم والاحتمال والأمل، وفقًا لتقديرات الأطراف الثلاثة نفسها. فيبقى سيناريوهان من ثلاثة، الثاني منها: أن نظل على ما نحن عليه، وعندها قد تجني على بعضنا نسبة الحسم التي تضخمت كسرطان لمحاصرة "السرطان العربي" وفقا للمعجم اليميني الفاشي الإسرائيلي.

ثالث السيناريوهات هو: قائمتان. وعلى الرغم من كل التراكمات والرواسب والخلافات الحقيقية، وتلك الوهمية، أرى أن تحالف الجبهة والتجمع في قائمة مشتركة هو مسألة هامة وملحة وممكنة. ليس للحفاظ على التمثيل البرلماني فقط، على أهميته، بل لتحقيق هدف أهم منه على صعيد تمتين نسيجنا الاجتماعي. هذا أهم من كل كنيست إسرائيل. لأن الكنيست وسيلة ومنبر لا غير (لذلك أجدد احترامي للرفاق والأصدقاء دعاة المقاطعة، مع انني اختلف في التقييم التكتيكي معهم).


فأمام مظاهر التفتت والطائفية والجهوية والمحلوية هناك حاجة في تعزيز وإعادة الهيبة لقطب وطني تقدمي علماني - والعلماني لا يعني معاداة الدين والمتدينين، لأ أبدا! لكلنا أقارب وأعزاء متدينون ومحترمون، ومنهم شركاء في أحزابنا أيضا. مهمة هذا القطب الأولى برأيي يجب أن تكون المساهمة على الأقل في الحفاظ على متانة مجتمعية، أو على صمغ يجمعنا وطنيا فوق الانتماءات المهمّشة المهشّمة التي يسل عليها لعاب عدونا – الحكومة/ات الاسرائيلية.


فنحن مجتمع، ككل مجتمع بشري، إذا ضعفت قواه السياسية، التي ينتمي إليها الناس طوعيًا وبالإرادة الحرة والخيار العقلاني، سيقوى ويسيطر فيها القبلي/الطائفي/المذهبي/الجهوي. نحن مجتمع، ككل مجتمع بشري، يحتاج ليبقى مجتمعا متماسكا، إلى بنية سياسية واجتماعية تستند إلى خيارات العقل والإرادة والمواقف والبرامج والطروحات وليس إلى انتماءات الدم المتوارثة. انتماءات الدم هذه في سياق تحويلها إلى حالة سياسية متقاتلة مقطعة الأوصال والعقل والوجدان، وليس إبقاءها في حدودها الطبيعية المحترمة، هي المستنقع الأفضل لتغذية ظواهر مقززة كالطائفية، والعمالة للمؤسسة الإسرائيلية والزعرنة والاستقواء الفردي والعصاباتي بقوة السلاح.


لهذا، فمن شأن تحالف برلماني للجبهة والتجمع ذي تداعيات على ما يفوق البرلماني، أن يبث على الأقل رسائل وبلاغات وإشارات الى استعادة منظومة سياسية ذات هيبة، تتجاوز المحليات وتعيد لمفهوم المجموع الوطني مستواه ومداه ورؤيته البعيدة المدى، خارج غيتوهات الضائقة والضيق والافقار التي تخططها وتبنيها وتكرسها لنا المؤسسة الإسرائيلية التي تتفشى فاشيتها باستمرار.


في الوقت نفسه اقول - منعا لأي سوء فهم وتفاهم - إن الحركة العربية للتغيير تملك كامل شرعيتها ولا حاجة للإسفاف من احد في التهجم عليها. إنها شرعية حين تحالف التجمع معها عام 1999 وشرعية حين تحالفت الجبهة معها عام 2003 وشرعية حين تحالفت الإسلامية معها لاحقا. لندع الاستعلاءات جانبا. لكن يجب المصارحة والقول باحترام إنها تظل جسما سياسيا يفتقر للبنية الحزبية ذات الامتداد الشعبي المنظم، ولا أقول الامتداد الشعبي ونقطة. إنها جسم لا يحمل شحنة إيديولوجية وفكرية مميزة قادرة على خلق كوادر منتجة للنشاط والتفاعل السياسي والشعبي. مع ذلك، ليكون واضحًا: لن تتضاءل نقاط احد في التحالف معها. لا في وطنيته ولا في عدد مقاعده. وهذا أقوله بالذات لمن يتلذذون بالاستعلاء الفارغ.


بالمقابل، تبقى هناك مميزات للجبهة والتجمع بكونهما يعملان بثقافة وممارسات وتوجه الأحزاب وليس الحركات الانتخابية البرلمانية الهيكلية فقط. هناك حضور جدي وفاعل لهما في المظاهرات والنشاطات والاجتماعات والجامعات والجمعيات والسجال الثقافي والإعلامي والبلدي – وهو ما لا ينطبق، كما قلت، على العربية للتغيير بحكم تركيبتها.


باختصار ووضوح، انا أدعي أن هناك إمكانية لو توفرت الإرادة والمسؤولية وكبر النفوس لإقامة تحالف بين الجبهة والتجمع؛ وإذا ما ارتقينا إلى تحويل هدف التمثيل البرلماني لمسألة ثانوية او على الأقل إلى مسألة موازية للمصلحة الجماعية الداخلية الملحة لجماهيرنا/أقليتنا العربية الفلسطينية.
فمصيبتنا الكأداء هي أننا صرنا نضع لحراكنا السياسي الحزبي بوصلة تشير نحو الخارج، أي نحو حجم تمثيلنا هناك، في الكنيست. لكن الأهم والأكثر إلحاحا هو ممارسة جميع معارك السياسة بحيث تخدم أولا مصلحة متانة مجتمعنا ووجهته ووجهه وهويته، لنقف بوحدة وبحزم في وجه التشرذم والطوأفة والانقسامات الجهويّة، بكل ما يحمله الأمر علينا جميعا من كوارث نراها نسمعها نلمسها نذوقها ونشم روائحها البغيضة.


بهويتي الفكرية والايديولوجية والحزبية التي لا أخفيها ولا تخفى على أحد، أدعو الى التفكير والنقاش والتحرك والنشاط والعمل والإقناع من أجل دفع وتعزيز اقتراح واحتمال تحالف الجبهة والتجمع؛ مرة أخرى: من اجل تعزيز واستعادة الهيبة لقطب وطني علماني تقدمي فاعل ومؤثر وذي امتداد شعبي ليساهم في الحفاظ على متانة مجتمعية، أو على الأقل على صمغ يجمعنا كمجتمع وجماهير وأقلية وجزء حيّ وحيوي من شعب فلسطيني لا يزال نضاله الموحّد على البقاء والصمود والتطور يشكل لديه حاجة كالأوكسجين للحياة.

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

مؤتمر المبادرة الاجتماعية الثالث: التمكين...

2024/11/05 16:34

بيان: اعتداء وحشي على الزعيم الوطني مروان...

2024/10/27 21:33

شروط الجيش لوقف الحرب مع حزب الله

2024/10/14 13:58

طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران؛ "الفجوات...

2024/10/11 10:05

مقتل 3 جنود في تفجير عبوة ناسفة شمال القطاع

2024/10/10 20:48