اعلنت مجموعة "بريكس" الاقتصادية، التي تضم الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا، في ختام قمتها السنوية في جوهانسبورغ، موافقتها على ضمّ 6 دول جديدة من 3 قارات إلى المجموعة، للمرة الأولى منذ ولادة "بريكس" في العقد الأول من القرن الحالي. فبعد نقاشات موسعة تم منح الأرجنتين وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، العضوية الكاملة اعتبارا من الأول من كانون الثاني القادم، علماً أنها كانت أعلنت أن أكثر من 40 دولة، من بينها إندونيسيا وبوليفيا والأرجنتين وتركيا والبحرين والجزائر، كانت أبدت رغبتها بالانضمام، فيما تقدمت 20 دولة بطلب رسمي لهذا الهدف.
التخلّص تدريجيًا من هيمنة الدولار
ويرى مراقبون، أن توسيع المجموعة التي ولدت لتكون قوة مواجهة لأمريكا، ولهيمنة الدول السبع والنظام العالمي الذي يتصدره الغرب، قد يشكل الإنجاز الثاني الأهم لـ"بريكس"، بعد إنشائها "بنك التنمية الجديد"، الذي يستهدف تمويل مشاريع بنى تحتية في دول المجموعة، وغيرها، ومنح قروض بعيداً عن شروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فيما من أهداف المجموعة أيضاً التخلص تدريجياً من هيمنة الدولار في تعاملاتها وصولاً لأن تكون لها عملة موحدة، على غرار الاتحاد الأوروبي.
وفي بيانهم الختامي، أمس، أيّد قادة "بريكس" إجراء إصلاحات في الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن، من أجل إضفاء المزيد من الديمقراطية والفعالية على المنظمة. كما أعربوا عن "قلقهم بشأن استخدام التدابير أحادية الجانب التي تؤثر سلباً على الدول النامية". وأكد البيان تجديد الدول الأعضاء "التزامها بتعزيز وتحسين الحوكمة العالمية من خلال تشجيع نظام عالمي أكثر مرونة وفعالية وكفاءة، نظام متعدد الأطراف، ديمقراطي وخاضع للمساءلة".
"بريكس ستمثل قوة اقتصادية عالمية كبيرة"
وقال الخبير الاقتصادي المصري واستاذ الاقتصاد الدولي، كريم العمدة، أن كل الحسابات لقوة مجموعة "بريكس" ستتغير، لأن الدول التي دخلت تمثل قوة اقتصادية كبيرة، مشيرا إلى أن المملكة العربية السعودية على سبيل المثال تمثل الاقتصاد رقم 19 على مستوى العالم، وحجم الاقتصاد السعودي تريليون و100 مليار دولار، كما أن حجم الاقتصاد الأرجنتيني 633 مليار دولار، والاقتصاد الإماراتي 407 مليارات دولار، ومصر أكبر اقتصاد في أفريقيا بالتوازي مع نيجيريا بـ 477 مليار دولار، ثم إيران 388 مليار دولار، موضحا أن الحديث الآن عن زيادة قوة مجموعة البريكس بحوالي أكثر من 2 تريليون ونصف التريليون دولار، وهو ما يؤكد زيادة قوة وحجم مجموعة البريكس".
وشدد الخبير المصري على أن "انضمام السعودية والإمارات وإيران يمثل على وجه الخصوص قوة لـ "بريكس"، حيث يمثلون قوة البترول في العالم"، مشيرا إلى أن "الهند والصين ستأمن احتياجاتها من الطاقة، ودول مثل السعودية والإمارات ستأمن احتياجاتها من السلع الاستهلاكية التي تستوردها من روسيا والهند والصين، في حين ان حجم ان حجم التجارة بين مصر ومجموعة البريكس سيزداد بشكل كبير".
رسم معالم نظام عالمي جديد
وأنشئت "بريكس"، قبل أكثر من 15 عاماً، في محاولة لتوجيه الديناميات الجيوسياسية في العالم، بعيداً عن الهيمنة الأحادية للغرب بعد انتهاء الحرب الباردة، وكمجموعة تطمح لأن يكون لها ثقلها السياسي ودورها في صناعة ورسم معالم السياسة الدولية، مثل مجموعة السبع الكبرى، وتوجيه العالم نحو نظام متعدد الأقطاب. وقلّلت الولايات المتحدة دائماً من شأن هذا الطموح، علماً أن لدى "بريكس" أسبابا منطقية له، وهي أنها تمثل ربع الاقتصاد العالمي وأكثر من ثلاثة مليارات نسمة.
وتأتي عملية الضمّ الجديدة، في وقت يشتد فيه الصراع الدولي بين روسيا والغرب، ويحتدم التنافس الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة، والذي يهيمن على معظم القضايا العالمية. ويرى مراقبون أن عملية الضمّ تفيد بشكل أساسي الصين، وتخلق لها منصة واسعة لفرض رؤيتها السياسية، وتعزيز نفوذها الاقتصادي. وكل الدول المنضمة حديثاً إلى المجموعة مشاركة في مشروع طريق الحرير الصيني. ورغم أن أجنداتها السياسية ليست متجانسة، بل حتى متضاربة أحياناً، إلا أنها تمثل خليطاً من المكانة السياسية والاقتصادية بحيث إنها تقدم ثقلاً سياسياً واقتصادياً للمجموعة، بقدر ما تأخذ منها، خصوصاً لناحية ثروتها في مجال الطاقة. والدول المنضمة أيضاً، مشاركة وعضوة في منصات دولية أخرى، منها مجلس التعاون الخليجي ومنظمة شنغهاي و"ميركوسور" (السوق المشتركة الجنوبية)، وحتى مجموعة العشرين، وتشكل أسواقها ملاذاً للتبادل التجاري التي تطمح جميع هذه الدول إلى توسيعه.
تعزيز نفوذ الصين وروسيا
وتحمل كل هذه الدول مزايا، ويعتبر انضمام بعضها، قد جاء بطلب من الدول الأعضاء، للموافقة على أخرى. وقد حثّت البرازيل، على انضمام الأرجنتين، فيما يأتي انضمام إيران، لإرضاء روسيا خصوصا. وكانت طهران قد لجأت خصوصاً في السنوات الأخيرة، إلى المنظمات التي لا تضم دولاً غربية بهدف كسر عزلتها وتنشيط اقتصادها المنهك جراء العقوبات الغربية، كما انضمت إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وهي كيان إقليمي تأسس في عام 2001، معززة علاقاتها مع الصين وروسيا كجزء من استراتيجية تعنى بدول الشرق. وتطمح معظم الدول التي انضمت، أو الراغبة بالانضمام، وهي ذات اقتصادات متفاوتة، للحصول على مزايا تفضيلية في علاقاتها التجارية مع الصين خصوصاً، وهو ما يمنح بكين منصة واسعة لتعزيز نفوذها في العالم، وتعتبر الرابح الأكبر من عملية التوسيع. بدورها، ترغب روسيا من وراء التوسيع، إثبات عدم عزلتها على خلفية الحرب في أوكرانيا، وأنها قادرة على قيادة تجمع ذات ثقل بحجم "بريكس".
وتضع عملية التوسيع دول "بريكس" في اختبار صعب لجهة قدرتها على فرض نفسها لاعباً قوياً على الساحتين السياسية والاقتصادية الدولية، فيما بقيَ صنّاع القرار الغربيون، وإعلامهم، مشككين بجدوى "بريكس"، ومتنبئين بعدم نجاح هذه التجربة، على خلاف ما يراه مدير معهد جنوب آسيا في "مركز ويلسون"، مايكل كوغلمان، بان القمة منحت مجموعة بريكس زخما للعمل المشترك. واضاف: "في واقع الأمر، لدى "بريكس" ما يشبه رؤية مشتركة، وهي توفير بدائل عن الغرب. وأعتقد أن هذا الهدف نال زخما في ظل تنافس دولي قوى يزداد حدة".
2024/10/10 18:21
2024/09/26 07:36
2024/09/16 08:27
2024/09/12 14:08
2024/09/02 10:54