هنالك شيء غير متناسب ولا يمكن تصوره في الرد العنيف الذي يهدد بنكبة - أي المجازر والترحيل لا أقل ولا أكثر - رداً على رفع الأعلام الفلسطينية في مظاهرات الجامعة. لماذا أعضاء الكنيست غاضبون جدا؟ ما المخيف في رفع العلم؟ لماذا يرون في علم شعب ما تهديدًا لشعوبهم ولأنفسهم؟ لماذا يوجد شعور وجودي بالقلق، أو على الأقل الهلع وينتج مثل هذا القلق؟
الحقيقه قد تكون ان العلم ليس مخيفًا في الحقيقة، والحديث يدور عن مجرد تحريض أرعن، بحيث يعلم كل من بدأه أنه لا يوجد سبب لا للقلق ولا للخوف. لكن إذا كان هذا القلق لا يزال قائماً (وليس من غير المعقول وجوده)، فهو في الأساس في قلوب أولئك الذين يعتقدون أن استمرار الوجود اليهودي في إسرائيل مشروط باختفاء الشعب الفلسطيني وانقراضه، وفي ذهن أولئك الذين يريدون أن يحلوا محل الشعب الفلسطيني. أما أولئك الذين يعتقدون أنه قد يكون هناك وجود فلسطيني إلى جانب وجود يهودي في فلسطين وإسرائيل ويؤمنون بقومية يهودية غير استعمارية، يعرفون أن العدالة للشعب الفلسطيني، وليس زواله، هي السبيل للتغلب على القلق. إن مجرد وجود الآخرين ورموزهم يشكل تهديدًا فقط لأولئك الذين يريدون أن يبنوا وجودهم على إنكار وجود الآخرين.
التعامل مع رفع العلم والأسباب التي أدت إلى رفعه هو بداية التعامل مع القلق. لذلك، دعونا نفكر في معنى دلالات رفع العلم والطريقة التي يجب ان يتم بها فهم هذا العمل.
أولاً: هذا العلم ليس علم منظمة التحرير الفلسطينية، بل علم شعب بأكمله - علم الشعب الفلسطيني ككل. هذا هو علم شعب جرى طرده من وطنه والبقيه التي بقيت في وطنها اما وقعت تحت الاحتلال واما تحولت الى أقلية تعيش في دوله تعلن قانونيا عن نفسها انها ليست دولتهم، شعب لا ترغب دولة إسرائيل في التفاوض معه وترفض الاعتراف به رسميًا. ترفض حقه في تقرير المصير، تستوطن أرضه وتصادرها، بحيث تصبح حياته لا تطاق.
من كان بداخله قلب ينبض، ما كان يجب أن يواجه مشكلة في رفع راية القابعين تحت الاحتلال والمضطهدين واللاجئين.
من المهم أيضًا أن نذكر بعض الحقائق الأساسية: ان أولئك الذين تُصادر أرضهم، والذين يتعرضون لخطر الإبادة، هم الفلسطينيون وليس اليهود في إسرائيل. أولئك الذين لديهم دولة ونصف هم اليهود في إسرائيل، والذين لديهم أقل من نصف دولة هم الفلسطينيون. أولئك الذين لهم حاضر ومستقبل هم اليهود في إسرائيل، وأولئك الذين لديهم ماض ولكن لا حاضر ولا مستقبل ولا أمل هم الفلسطينيون.
رفع العلم الفلسطيني هو احتجاج على هذا الوضع، واحتجاج على استمرار المصادرة والاحتلال والترحيل، وانعدام الأمل - وهكذا ينبغي قراءتها احتجاجا على محو الوجود الفلسطيني. والتهديد المستمر لمستقبله. إنه عمل رمزي للدفاع عن النفس، في عالم ينكر وجود مشكلة فلسطينية أو شعب فلسطيني، عالم أصبح فيه الشعب الفلسطيني شعباً فائض عن الحاجة لا لزوم له على الأرض.
السهولة التي تم بها إلقاء التصريحات التهديدية بنكبة جديدة تثبت كل ما سبق. إنه يثبت مدى هشاشة الوجود الفلسطيني وتهديد وجوده المستمر والدائم.
● الكاتب أستاذ في فلسفة القانون. المقال نشر بالأصل في صحيفة "هآرتس" بالعبرية. وقد ترجمه الكاتب للعربية بطلب من إحنا TV
2024/11/05 16:34
2024/10/27 21:33
2024/10/14 13:58
2024/10/11 10:05
2024/10/10 20:48