رأي

أمير مخول

الصفقة: الخلافات على الجوهر وليست على التفاصيل

تحوّلت رفح الى "مفتاح الانتصار" بالنسبة الى نتنياهو. وهو بذلك يخفي ازمة داخلية إسرائيلية أكبر قد تقود الى انتخابات مبكرة في اسرائيل

كما توقعنا في تقدير سابق فإن شهر رمضان المبارك قد يمر دون التوصل الى صفقة.  فالمشكلة في المفاوضات ليست في التفاصيل وانما الإشغال في التفاصيل هو الاستراتيجية الاسرائيلية لكسب المزيد من الوقت سعيا للقيام خلاله بفرض الامر الواقع. 

ويبدو ان حكومة نتنياهو تتحدى ادارة بايدن سياسيا وعلى الملأ في حين تنصاع لها على ارض الواقع في مسألة اجتياح رفح التي لا يدل التواجد العكسري الاسرائيلي في غزة انها مسألة قابلة للتنفيذ بقوات محدودة والتي هي مؤهلة اكثر في تنفيذ عمليات عينية وبأسلوب الكوماندوز وليس الاجتياح الواسع. يأتي ذلك بعد ان كشفت الأيام الأخيرة ان حكومة نتنياهو لا تستطيع المراوغة أكثر أمام بايدن وادارته الذين يتحولون من أسلوب إسداد النصائح والتحذيرات الى أسلوب السعي للفرض وهو ما عكسته تصريحات نائبة الرئيس يوم 23/3 والذي اعتبره اعضاء الائتلاف الحاكم وكذلك المؤسسة الاعلامية في اسرائيل بأنه "هدية لحماس".

"فعليًا لم يعد الرأي العام الاسرائيلي ولا الإعلام يعير الجدية لتصريحات نتنياهو" | إعلام الكنيست

التردد في اجتياخ رفح ليس بالجديد اسرائيليا، فقد كان الرفض القاطع مصريا للتهجير من العوامل الجوهرية التي رددها الساسة والمحللين الاسرائيليين، مما دفع باسرائيل الى تأجيل "عملية رفح" لتكون في نهاية الحرب، وهو ما دفع الى تغيير حاد في السياسة الأمريكية التي دعمت فكرة التهجير في بداية الحرب. 

في المقابل فإن الاخفاق الاسرائيلي العسكري المطبق في الوصول الى المحتجزين الاسرائيليين وإعادتهم قد ضاعف الاخفاق في هذا الصدد، وكان الناطق العسكري قد خلق الاجواء في عدة تصريحات بأن عملية خانيونس (حين بدأت) تجعل احتمالية الوصول الى المحتجزين قاب قوسين او أدنى.

 بعد اخفاق عملية خانيونس في الوصول الى المحتجزين، والحرج المتزايد للمستويين السياسي والعسكري جراء ذلك، تحوّل خطاب نتنياهو الى فرضية ان المحتجزين كما قيادة حماس موجودين في رفح بالاضافة الى اربعة كتائب للتنظيم. ووفقا لتصريحات نتنياهو المتكررة يوميا وفي كل مناسبة سواء أمام جمهوره والرأي العام اليميني الاسرائيلي والاعلام الأمريكي، فإن "درة التاج" هي في اجتياح رفح والقضاء على قيادات حماس وتقويض قدراتها وتشتيتها وإعادة المحتجزين المفترض وفقا له. 

"تصفية النازحين في رفح الذين يسعون للعودة الى بقايا بيوتهم في مدينة غزة وشمال القطاع" | تصوير: رائد حماد
رفح المكتظة بالنازحين | مواقع التواصل

نتنياهو بات يؤكد بأن عملية رفح هي مفتاح الانتصار، وفي حال لم تتم فهي "الهزيمة الاسرائيلية" و"انتصار لحماس" التي ستعيد بناء قدراتها وسيطرتها. وهو يلقي باللائمة أمام الاعلام على ادارة بايدن التي تعرقل اجيتياح رفح، ليبلغ به الأمر بالتصريح الى ان الجيش سوف يجتاح رفح بموافقة الولايات المتحدة وحتى بمعارضتها. فعليا لم يعد الرأي العام الاسرائيلي ولا الإعلام يعير الجدية لتصريحات نتنياهو، بل التأكيد بانه لو أراد الحسم باتجاه الاجتياح لحسم لكن المشكلة اسرائيلية داخلية وليست أمريكية في هذا الصدد.

التباين بين تقديرات المنظومة الأمنية والجيش  مقابل المستوى السياسي المتمثل برئيس الحكومة أصبح كبيرا وغير قابل للتسوية في ظل الأزمة الحاكمة. وتأتي دعوة وزير الدفاع الأمريكي لوزير الأمن الاسرائيلي الى واشنطن لتعمق هذا التصدع، ولإحباط مخططات حكومة نتنياهو والانتقال الى عمليات عسكرية عينية محددة، بمفهوم نهاية حرب الدمار الشامل والنكبة الانسانية التي حلت بالشعب الفلسطيني نتيجتها. 

وفقًا للجيش فإن عملية مستشفى الشفاء في الأسبوع الاخير في مدينة غزة هي الإنجاز الأكبر للجيش والأكثر إيلاما لحماس منذ بدء الحرب وتشكل "اختراقا استخباراتيا ستبحثه الكليات العسكرية في العالم"، في حين يبدأ الجيش بحملات شبيهة في مستشفيات خانيونس. 

جلسة حكومة - مأزق أفق الخروج من الحرب | الإعلام الحكومي

نظرًا لمأزق أفق الخروج من الحرب - "اليوم التالي" - يقوم الجيش باستحداث مخططات استخدمها في جولاته العدوانية السابقة على غزة في الاعوام 2008 و2014 و2018، وفعليا جميعها تقوم على اسس مخططات استدامة احتلال غزة واستيطانها منذ العام 1971 حيث وضع قائد المنطقة الجنوبية انذاك ارئيل شارون مخطط "الاصابع الخمس" وتبنته حكومة غولدا مثير وشمل بتر قطاع غزة الى خمسة مناطق واستيطانه حصريا في المحاور الاستراتيجية وفي مقدمتها محور نيتسريم الذي أعيد استحداثه وشق طريق استراتيجي يفصل شمال قطاع غزة عن جنوبه ويمنع عودة ضحايا النزوح من الجنوب شمالا كما ويمنع انتقال المساعدات الانسانية عن طريق البر شمالا.

انجازات الجيش وفقا لتقديراته بالسيطرة العملياتية على قطاع غزة وتفكيك بنية حماس العسكرية، تتيج المجال للدولة بأن تبدأ على الارض في تحقيق أحد اهدافها المركزية المعلنة للحرب، وهو إعادة الحياة للبلدات الاسرائيلية في "غلاف غزة" بما فيه إعادة العمل في الزراعة وهي منطقة زراعية تعتبرها الدولة من سلاتها الغذائية الأهم، تمهيدًا لعودة المزيد من السكان النازحين الى هذه البلدات.

هل باشر الجيش بعملية ترسيخ البقاء في غزة؟ | إعلام الجيش

الجيش بدوره يواجه مأزقا جوهريا، فبعد انتهاء المرحلة الأولى للحرب وبتر القطاع الى قسمين محوريين شمالي وجنوبي، كرر مطالبته من الحكومة وكابنيت الحرب بعودة النازحين الغزيين الى الشمال وذلك كي لا تتحول رفح الى اكبر ورطة اسرائيلية، وكي لا تتورط قياداته فيما يعتبره القانون الدولي جريمة حرب، الا انه تراجع عن هذه المطالب وبات يخوض حربا دون مخطط استراتيجي بينما يبني اهدافه بالتتابع ووفقا للحالة الميدانية، وفي ظل هجوم سياسي غير مسبوق من المستوى السياسي اليميني ومطالبة قادة الاركان والشاباك بالتنحي، واستبدالهم بقيادات "قادرة على تحقيق الانتصار".

وفقا لصحيفة يسرائيل هيوم (25/3/2024) باشر الجيش بعملية ترسيخ البقاء في غزة، وبعد ان قام ببتر القطاع، يقوم بتصفية النازحين الذين يسعون للعودة الى بقايا بيوتهم في مدينة غزة وشمال القطاع، وهي مشاهد ترويع تتكرر بقصفهم المدنيين من الجو، كما أقام الجيش منشئات كثيرة وحصريا قواعد عسكرية عملياتية للتحرك السريع، وكذلك ابراج اتصالات ورقابة في اماكن كثيرة من قطاع غزة وحصريا في محور نيتسريم الممتد بين حاجز المنطار (كارني) وصولا للبحر، وهو ما يطلق عليه وفقا لخطة "الاصابع الخمسة" إصبع نيتساريم الاستراتيجي الأهم اسرائيليا.

"درعي يمتلك فعليا مفاتيح اسقاط الحكومة بالدعوة لانتخابات مبكرة" | تصوير كوبي غدعون - الإعلام الحكومي

يدعو أقصى اليمين الاسرائيلي الى استيطان غزة وحصريا حول هذا المحور وفي النقاط التي انطلق منها هجوم "طوفان الاقصى" من قبل حماس على "غلاف غزة"، وذلك انتقاما و"عبرة لمن يعتبر". ويرى هذا التيار ان الاستيطان هو علامة الانتصار الاسرائيلي. بينما يرى تيار المركز- يمين بأن الانتصار هو أولاً بعودة المتحجزين وليس بالاستيطان الذي يشكل ورطة استراتيجية للدولة ولجيشها. كما يتعزز الصراع بشأن الجهة التي ستقود غزة نحو "اليوم التالي" ففي حين يرفض نتنياهو واقصى اليمين بما فيه الليكود اي دور للسلطة الفلسطينية فإن المركز – يمين مسنودا بموقف وزير الأمن غالانت والجيش يلمح الى انه لا مجال من دون السلطة الفلسطينية، وهو ما يتماشى مع الموقف الأمريكي بما فيه التقديرات بأن الخيار العسكري لا يمكنه حماية اسرائيل وحده.

اليوم التالي - "الجيش يلمح الى انه لا مجال من دون السلطة الفلسطينية" | وفا

ائنلاف نتنياهو متماسك ولا توجد معارضة بمقدورها اسقاطه ولا الضغوطات الخارجية المباشرة والامريكية حصريا والتي من المفارقات انها في كل حمله لاسقاط حكومة نتنياهو تخرج الأخيرة أقوى والبدائل من غانتس ولبيد أضعف. فالحرب على غزة لا تسقط الحكومة مباشرة والمنحى العام في اسرائيل لا يزال يميني انتقامي وكهاني. وذلك رغم الصحوة في اوساط من المعارضة تتظاهر بتواصل وتحتج من اجل صفقة تبادل ومن اجل انتخابات فورية الا انها لا تشكل التيار السائد بل تراجع اثرها عما كان من قبل.

التحدي الأكبر لحكومة نتنياهو من داخلها وهو الاحزاب الحريدية والتي قد تدفع بها الأمور نحو تقديم موعد انتخابات عامة بالتوافق سعيًا منها لتجاوز عتبة قانون تجنيد المتدينين التوراتيين (الحريديم)، مع العلم بأن الائتلاف الحاكم بامكانه المناورة اجرائيا في هذا الصدد.

"التحدي الأكبر لحكومة نتنياهو من داخلها وهو الأحزاب الحريدية" | إعلام الكنيست

تصريحات غالانت قبيل سفره الى واشنطن 24/3 وتصريحات غانتس رغم انها مترددة بأنه في حال أقر الكنيست قانون التجنيد بالنص الذي يقترحه نتنياهو سيترك الحكومة، والتأكيدات الاعلامية المتزايدة بشأن وجود تنسيق بين غانتس وغالانت ورئيس حزب شاس ارييه درعي، وهذا الأخير يملك فعليا مفاتيح اسقاط الحكومة بالدعوة لانتخابات مبكرة - هذا كله يقود الى مواقف تتماشى مع ادارة بايدن أيضا وقد تكون الأخيرة قد انتقلت للعمل على اسقاط حكومة نتنياهو من داخلها.

للخلاصة:

● الخطاب القائل بأن الخلافات بشأن الصفقة هي في التفاصيل ليس دقيقا، بل ان حكومة نتنياهو تدفع بقوة وبقناعة الى ضرورة تأجيل الصفقة وحتى عدم اتمامها، سعيا لتحقيق مكسب عسكري استراتيجي. الإشغال في التفاصيل هو الاستراتيجية الاسرائيلية لكسب المزيد من الوقت سعيا للقيام خلاله بفرض الأمر الواقع.

● الأزمة الاسرائيلية الشاملة تتعمق وتأخذ مناحٍ استراتيجية، وفي غياب امكانية حقيقية لاسقاط الحكومة فإن تعمق الأزمة حول الحرب في غزة من شأنها ان تدفع نحو المزيد من التصعيد الفتاك تجاه الغزيين، وانعكاس ذلك على كل الشعب الفلسطيني.

● التردد في اجتياح رفح هو تردد اسرائيلي داخلي ونتاج تقديرات في اساسها اخفاق مشروع التهجير والصراع مع ادارة بايدن والتخوّف من ان تصبح رفح ورطة استراتيجية اسرائيلية قد تدفع نحو انهاء الحرب التي لا تريد اسرائيل نهاية لها في المدى المنظور.

● التفاعلات الاسرائيلية الداخلية لا دلالة فيها على انعطاف نحو اي أفق او مخرج سياسي من الحرب، بل نحو المزيد من التورط والتحول الى حكم عسكري واحتلال مستدام لقطاع غزة.

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

ماذا وراء الرصيف العائم في غزة؟!

2024/05/07 16:03

الهجوم على المقر.. والدعوة إلى الحوار

2024/04/27 18:34

بداية التغيير في القيادة الأمنية...

2024/04/26 12:08

اجتماع السبعة: خطاب الاستعداء؛ اجتماع...

2024/04/22 18:52

أين يذهب التحليل الآن؟

2024/04/20 10:06