رأي

د. أحمد رفيق عوض

الحل على الطريقة الاسرائيلية

الحل الاسرائيلي يبدو كأنه لغز يستحيل حله على ارض الواقع، فترجمته وتفسيره وتطبيقه متعلق بالرضا الاسرائيلي وهو رضا لا ينال ولا يصل احد الى امتلاكه
أوباما وعباس ونتنياهو في البيت الأبيض - سبتمبر 2010

أولاً وقبل كل شيء، فأننا نؤكد ان الحلول التي تقترحها اسرائيل لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ليست بسبب ذكائها الخارق او خبرتها الفائقة في التفاوض كما يشاع، وليست بسبب ان المفاوض الفلسطيني غائب او مذهول او غير محترف. كل هذه الاسباب قد تكون حاضرة بشكل او بآخر، ولكن السبب الحقيقي برأينا هو ان اسرائيل قوية بما يكفي للتلاعب او الرفض او الالتفاف على كل حل او مقترح او افراغه من مضمونه او وضع بدائل او اولويات تجعل منه حلا غير قابل للتنفيذ .

اسرائيل، ما كان لها ان ترفض اي حل او تعطله او تفرغه من محتواه لولا قوتها الوقحة و مصدرها الاطلسي كله. نقرر هذه الحقيقة حتى لا يقع الواحد منا بالاعتقاد ان المفاوض الاسرائيلي عبقري وانه يمتلك خبرات لا يمتلكها احد. بالعكس من ذلك تماما، اذ ان اسرائيل تكشف عن سذاجة مضحكة في الفبركة و الاختلاف و الالتفاف، ذلك ان اسرائيل ومنذ العام 1967 استطاعت ان تبطل كل القرارات الدولية والمبادرات والتسويات والافكار والمقترحات والخطط المقترحة من كل الاطراف الاقليمية والدولية ذات العلاقة من خلال ما يلي: الرفض المطلق، وضع الشروط، طرح افكار جديدة بالمقابل، تفجير الاوضاع، هذا من جهة، اما من الجهة الاسرائيلية فأن الحلول التي اقترحتها اسرائيل ذاتها ومنذ عام 1967 و حتى يوم الناس هذا، فقد تميزت بما يلي :

أولاً: الانكار المطلق للحقوق الفلسطينية، نفي كل المقترحات الاسرائيلية للحل. ليس هناك ما يؤكد استناد تلك المقترحات الى مبدأ ان الشعب الفلسطيني له الحق في الامتلاك او السيادة او الامن، الحل الاسرائيلي عادة ما يقلل ارتباط الفلسطيني بأرضه وتراثه.

مؤتمر مدريد للسلام

ثانيًا: استبدال الاولويات، اذ عادة ما تضع اسرائيل ما تسميه تحسين الظروف الحياتية او حسب التعبير الاسرائيلي (التسهيلات) و (زيادة عدد التصاريح) بديلا عن التسوية السياسية. عادة ما تضع اسرائيل الرغيف قبل الاستقلال، ومن اجل ذلك فأنها تستخدم هذا الاسلوب للحصول او المقايضة بين الرغيف و الهدوء، فهناك ارغف اكثر كلما كان هدوء اكثر، ولا يستطيع كل عباقرة العالم تعريف الامن او الهدوء الذي تطلبه اسرائيل.

ثالثا: التطبيع او التنفيذ المتدرج. ليس هناك حل اسرائيلي يقدم دفعة واحدة او غير مرتبط او مشروط بظروف اخرى ومطالب متعددة، الحل الاسرائيلي عادة ما يكون متدرجا و مشروطا وفيه غموض ويقوم على النوايا والتفسيرات الذاتية.

الحل  الاسرائيلي يبدو كأنه لغز يستحيل حله على ارض الواقع، فترجمته وتفسيره وتطبيقه متعلق بالرضا الاسرائيلي وهو رضا لا ينال ولا يصل احد الى امتلاكه.

رابعًا: لاحقا لما سبق ذكره، فأن الحل الاسرائيلي ليس متعلقا بالتدرج الزمني ولكنه يتعلق ايضا بتدرج المعاني، فالحل الاسرائيلي لا يشمل كل الامكنة في حل واحد، بل يتم تطبيقه في مكان معين، وإذا نجح فأنه يطبق في اماكن اخرى، و عادة ما يفشل ذلك، فتتراجع اسرائيل عن حلولها. هذا ما يفسر ان اسرائيل لا تحتفظ ولا تحافظ على اتفاقاتها.

خامسًا: الحل الاسرائيلي مرتبط بالاشخاص و ليس بالاستراتيجية، و هذا يعني ان كل حل تقترحه حكومة اسرائيلية ما لا يلزم الحكومة التي تليها، الا اذا كان ذلك الحل يخدم الحكومة الجديدة، ولهذا فأن كل الحلول التي اقترحتها الحكومات الاسرائيلية لم يتم احترامها او الحفاظ عليها، ذلك ان الحلول تتغير بتغير الحكومات او رؤسائها، و هناك امثلة كثيرة اتركها للقارئ ليملأ الفراغات .

كارتر وبيغن والسادات

سادسًا: الحل الاسرائيلي عادة ما يهدف الى بث الفرقة بين افراد الشعب الواحد، اذ ان الحل المقترح تتم بلورته بطريقة ما يضع الكرة في ملعب الشعب بحيث يكون سببا للجدل و اثارة الخلاف السياسي والثقافي والفكري. وعلى هذا، فأن اسرائيل عادة تميل الى وضع حلول متعددة مع اطراف مختلفة من الشعب الواحد، وذلك لخلق استجابات جديدة بتحديات مختلفة، وهو احد اهداف الحلول الاسرائيلية التي تنقلنا الى النقطة التالية.

سابعًا: الحل الاسرائيلي عادة ما يهدف الى تفكيك الشعب الواحد من خلال منح اطراف متعددة فيه مكانة قانونية مختلفة من خلال بطاقات شخصية متمايزة ومن خلال مزايا بسبب الجغرافيا او امور اخرى .

الحل الاسرائيلي للصراع الفلسطيني الاسرائيلي لا يتعامل مع الشعب الفلسطيني كوحدة واحدة على الاطلاق، انه يجزئ الحل (مع اطراف) و مع (جهات) و مع (اشخاص) . فليس هناك حل اسرائيلي لا يهدف الى التفكيك.

ثامنًا: الحل الاسرائيلي عادة ما لا يتضمن الاستعانة او الاشارة الى اي دور دولي او عربي. وهو عادة ما يصور الصراع على انه صراع محلي او داخلي و يمكن التوصل الى حله عن طريق اجراءات محليه وكأن الشعب الفلسطيني مجرد جالية او طائفة او اقلية عرقية او اثنية تستطيع اسرائيل ان تتجاوزها او تتغلب عليها.

تاسعًا: الحل الاسرائيلي عادة ما ينطوي على العديد من الاجراءات و التعليمات والشروط ولا تضمن انشاء سياقات وكيانات وشخصيات اعتبارية. الحل الاسرائيلي عادة ما يربط كل شيء بارادته، ليس السيطرة الامنية وانما السيطرة على الفضاء العام ويتضمن ذلك التطور والمستقبل و حتى الاحلام.

ماذا تريد اسرائيل اذن من وراء كل هذه الاساليب؟! اسرائيل تريد باختصار ان تحصل على هدوء مشكوك فيه، و تريد ان تمرر مشروع احتلال بأقل ما يمكن من خسائر وانتقادات، وتريد ان تشتري وقتا تنهك به اعدائها و تفككهم، وتريد ان تحمي مصالحها و مصالح غيرها، وتريد ان تبدو وكأنها دولة لا ترفض السلام بل تتعامل به وتبيعه وتشتريه ايضا.

● الكاتب رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية - جامعة القدس

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

ماذا وراء الرصيف العائم في غزة؟!

2024/05/07 16:03

الهجوم على المقر.. والدعوة إلى الحوار

2024/04/27 18:34

بداية التغيير في القيادة الأمنية...

2024/04/26 12:08

اجتماع السبعة: خطاب الاستعداء؛ اجتماع...

2024/04/22 18:52

أين يذهب التحليل الآن؟

2024/04/20 10:06