رأي

د. أحمد رفيق عوض

انهاء الاحتلال بديلاً عن حل الدولتين

واذا كان مفهوم حل الدولتين يفترض كل هذا التأجيل والألاعيب والخداع والمماطلة، فان من الواجب ربما طرح مفهوم آخر بالمقابل يقوم على انهاء الاحتلال باعتباره الحل الوحيد والأكيد لاستقرار وسلام مفقودين حتى الآن
"فصل القطاع وحشر الفلسكينيين في الضفة في كانتونات"

أورد كريغ مخيبر، المدير السابق المستقيل لمكتب المفوضية السامية لحقوق الانسان في نيويورك، في رسالة استقالته من منصبه ضمن أمور أخرى، انه يتقدم باستقالته بسبب ان المجتمع الدولي الذي رفض التحرر من نموذج (فاشل) لاكثر من 30 عاما، حيث وعد بحل دولتين ومفاوضات افضت الى اتفاق اوسلو الذي اصبح بمثابة غطاء لما يحصل على ارض الواقع من ملاحقة واضطهاد وعقاب جماعي للشعب الفلسطيني في غزة و تنمية لنظام فصل عنصري. 

ورأى مخيبر ان اقتراح حل الدولتين لم يأخذ بعين الاعتبار حقوق الانسان للشعب الفلسطيني، و اشار في رسالة الى ان المشروع الاستعماري للمستوطنات لاكثر من 75 عاما مدعوم من الكثير من الأوروبيين، وأدى فيما أدى الى النزوح القسري والتطهير للفلسطينيين. وفي مقابلة مع قناة الجزيرة ذكر مخيبر بصراحة ان كل الاطراف الدولية  المؤثرة في الصراع يعرفون ان حل الدولتين غير ممكن.

الاستيطان في الضفة: "كل الاطراف الدولية المؤثرة في الصراع يعرفون ان حل الدولتين غير ممكن"

وقد بدأت بكلام مخيبر لأقول ان الكلام عن حل الدولتين تحول الى شعار يختبىء خلفه كل الاطراف التي تتهرب من مسؤولياتها او تلك التي تريد ان تقدم خطة خداع جديدة او تلك التي تعتقد ان هذا الكلام مقبول اعلاميا ودوليا.

حل الدولتين الذي يتغنى الجميع به منذ اوائل التسعينيات بشكل رسمي ليس له رصيد على ارض الواقع، ذلك ان اسرائيل بدعم او صمت او تواطؤ او عجز اقليمي ودولي افرغت هذا الشعار من مضمونه تماما. فقد ملأت الضفة الغربية المحتلة بمئات المستوطنات من كل الانواع و لكل الاحداث والاغراض، و جعلت من الاستيطان  مشروعا ايدلوجيا واقتصاديا وامنيا وديموغرافيا يشكل احد ركائز النظام السياسي الاسرائيلي واعمدته التي تضمن له البقاء والاستمرار و عدم الانفجار الداخلي او احتقان المجتمع الاسرائيلي المتعدد الاعراق والطبقات والطوائف والاحزاب.

وقد ظل هذا الشعار ، أقصد حل الدولتين، شعارا جذابا وله شعبيته ودبلوماسيته رغم ان الظروف والوقائع تجاوزته تماما، ليس من خلال الانزياح الاسرائيلي نحو اليمين المتطرف فقط  ورفضه اية تسوية تقوم على التخلي عن الارض، وليس فقط بسبب الاستيطان المتنامي والذي لم يتوقف ساعة واحدة كذلك، و لكن بسبب ما حصل في الجبهة الفلسطينية من انقسام ومن اختلاف حزبي في كيفية الحل السياسي ومضمونه. 

"اسرائيل تجد في الحرب على غزة فرصة ذهبية لتنفيذ مخططها في التسوية"
ورغم ذلك ظل هذا الشعار مرفوعا  فيما يقدم كل طرف مفهومه لهذا الشعار، فصفقة القرن تقترح حل الدولتين لتفكيك الارض الفلسطينية وربطها ببوابات تسيطر عليها قوات الاحتلال، فيما يرى بعض الاسرائيليين ان الدولة الفلسطينية يمكن ان تكون في قطاع غزة، ويراها بعض الفلسطينيين والعرب بانها الاراضي التي احتلت عام 1967بما فيها القدس الشرقية.

كل هذا النقاش ينتهي امام هذه الحكومة الحالية في اسرائيل التي لا ترى في حل الدولتين سوى هدم وانهاء لاحلامها او اوهامها لا فرق، ولهذا فان حكومة نتنياهو الحالية ستجد في الحرب على قطاع غزة فرصة ذهبية جدا  لتنفيذ مخططها في التسوية مع الشعب الفلسطيني، وربما سيتم مزج خطة الحسم لدى سموترتش وخطة السيطرة الامنية الدائمة لدى الليكود وذلك من خلال فصل القطاع عن الضفة بتشكيل جهة ما محلية او عربية او دولية تديره بأجندة اسرائيلية او امريكية، من ثم حشر  الفلسطينيين في الضفة الغربية ضمن كانتونات مزدحمة بدون بنية تحتية يتم السيطرة عليها من خلال البوابات وتنقيط المساعدات ومراقبة النشاطات.

هذه الحكومة لا ترى في حل الدولتين سوى هدم وانهاء لاحلامها او اوهامها" | تصوير: كوبي غدعون - الاعلام الحكومي

اي ان اسرائيل، في حال بقيت هذه الحكومة في السلطة ام لم تبق، لن تكون، بعد هذه الحرب، متعجلة في تطبيق حل الدولتين على الاطلاق، بل ستكون مهووسة بضمان ما يسمى بالأمن، ولن يكون هناك ضغوط دولية كبيرة  على اسرائيل لاجبارها على حل الدولتين، اذ لم تجبرها على ذلك ايام الهدوء فما بالك بايام الحرب.

وعليه، واذا كان مفهوم حل الدولتين يفترض كل هذا التأجيل والألاعيب والخداع والمماطلة وكثرة التفاسير وعديد التخريجات، فان من الواجب ربما طرح مفهوم آخر بالمقابل يقوم على انهاء الاحتلال باعتباره الحل الوحيد والأكيد لاستقرار وسلام مفقودين حتى الآن.

انهاء الاحتلال لا يقود بالضرورة الى دولة فلسطينية، اذ ان هذه الدولة ستكون محل تفاوض وتسويات اقليمية مع دول الجوار، و لكن انهاء الاحتلال معناه التخلص من الاطماع الاسرائيلية والاجراءات الاسرائيلية وقطع الطريق على كل متفذلك او متهرب او مخادع، و للكلام بقية.  

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

عن تصريحات خليل الحية؛ كأننا إزاء "حماس"...

2024/05/15 15:48

رفح... حافّة لكل شيء

2024/05/14 03:28

لماذا عجز اشقاؤنا العرب عن إنقاذنا حتى...

2024/05/14 02:53

على وقع عملية رفح وموقف واشنطن: طريق...

2024/05/12 10:34

ماذا وراء الرصيف العائم في غزة؟!

2024/05/07 16:03