رأي

أمير مخول

نتنياهو يتورط مع واشنطن ويورط اسرائيل في غزة

نتنياهو عمّق الصراع الى مستوى شبه علني مع ادارة بايدن برفضه لمطالب وزير الخارجية الأمريكي، رغم احتلال الادارة الأمريكية موقع اتخاذ القرار الاسرائيلي، وهو مؤشر اضافي لفقدانه السيطرة على قراره
تصوير: كوبي غدعون | الاعلام الحكومي

اعتبر المحللون الاسرائيليون بأن انقلاب نتنياهو على الموقف الامريكي الذي أتى به وزير الخارجية الأمريكي، انتوني بلينكن، هو مؤشر اضافي لفقدانه السيطرة على قراره وانصياعه بخلاف ما اتفق عليه مع الادارة الامريكية الى مصالحه الذاتية والى موقف حزبَي الصهيونية الدينية الشريكان في الائتلاف الحاكم، برفض اية هدنة انسانية بعد ان اكد من قبل ان "الامر قابل للبحث"، وأن نتنياهو قد عمّق الصراع الى مستوى شبه علني مع ادارة بايدن وذلك للحفاظ على موقعه في الحكم.

جاء بلينكن الى اسرائيل يوم 2/11 بصفته مندوبا عن ادارة بايدن صاحبة القرار في اسرائيل وليشارك في اجتماع مع حكومة الحرب المقلصة. فمنذ اللحظة الأولى لطوفان الاقصى واستشعار ادارة بايدن للضعف الاسرائيلي الذي يهدد مصالح النفوذ الامريكي، احتلت هذه الادارة موقع اتخاذ القرار الاسرائيلي، بالتزامن مع توفير غطاء حربي وجد تعبيرا عنه بالاساطيل والقوات الامريكية على الارض، وتوفير كل قدراتها التكنولوجية الحربية والمشاركة غير المألوفة في اجتماعات كابينيت الحرب الذي فرضته واشنطن، وفي الاشراف على المستوى العملياتي والسيطرة على كامل القرار الاسرائيلي، مما اعتبره بعض الخبراء الامنيين الاسرائيليين إهانة لدولتهم، وذلك بعد ان اكد الناطق العسكري الاسرائيلي يوم 3/11: "نحن نقوم بكل الامور بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وبكل ما يتفق عليه بين المستوى السياسي [الاسرائيلي]  مع الولايات المتحدة". 

بلينكن في اجتماع كابينيت الحرب: "تعميق الصراع الى مستوى شبه علني مع ادارة بايدن" | تصوير: عاموس غرشون - الاعلام الحكومي

تصدرت الاجواء التي رافقت الزيارة تصريحات متباينة اللهجة صدرت عن الرئيس بايدن او نُسبت إليه ومفادها ضرورة توفير سلسلة من الهدن تتيح المجال لادخال "المساعدات الانسانية" الى غزة وتتيح المجال للتقدم في مسألة الأسرى. لم يتحدث بايدن عن وقف لاطلاق النار، اي وقف الحرب على غزة، الا ان القراءة الاسرائيلية لتصريحاته مفادها ان المهلة المفتوحة لمواصلة العدوان على غزة اخذت تتقلص، وأن الوضع الكارثي لغزة بدأ يقلق الادارة الامريكية ويضر بمصالحها واولوياتها كما تراها ويزيد من الضغط الشعبي العالمي المناهض للموقف الامريكي، وهو ما يشكل تهديدا لبقاء بايدن في الحكم بعد انتخابات 2024. كما بدأت تتقلص الفرصة العدوانية وفقًا للتأكيدات بانها قد تبقى لاسابيع لكن ليس لأشهر طويلة. 

فلسطينيًا تعني هذه المعادلة الامريكية ان هول الكارثة الانسانية وعدد الضحايا الفلسطينيين قد يتضاعف، او كما اوردت شبكة CNN نقلا عن مستشاري بايدن بأنه "سيكون من الصعب على اسرائيل تحقيق اهدافهاالعسكرية مع اشتداد الغضب العالمي بشأن حجم المعاناة الانسانية في غزة"، مع التنويه بأن الادارة الامريكية ترفض لحد الآن وقف اطلاق النار باعتباره "يشكل انتصارا لحماس"، لكنها تؤكد حرصها على عدم اتساع نطاق الحرب الى حرب اقليمية ولتحاشي امكانية اشتعال الجبهة الشمالية.

"الوضع الكارثي لغزة بدأ يقلق الادارة الامريكية ويضر بمصالحها واولوياتها كما تراها" | تصوير: هاني الشاعر

وفق استطلاع الباحث كميل فوكس والذي نشر يوم 3/11 بعد الانباء عن مطالبة بايدن لنتنياهو "بتسليم الحكم الى خليفته"، فإن 76% من المستطلعين في اسرائيل يرون بضرورة استقالة نتنياهو اما فورا (29%) او عند انتهاء الحرب (47%). وهناك تصاعد في منحى المطالبة بتنحيته كلما طال أمد الحرب على غزة، لكون المجتمع الاسرائيلي لا يرى "انجازات" عسكرية حقيقية تتحقق، وبدأ يتلمس ثمن هذه الحرب بشريًا واقتصاديًا واجتماعيًا، ناهيك عن حملة عائلات الاسرى الاسرائيليين في غزة التي تتصاعد رغم محاولات كبتها والتكتم على الغضب الشعبي.

 وبات الاسرائيليون يشعرون ان اكثر من يتفهم قلق ومشاعر عائلات الاسرى هم الادارة الامريكية التي تقود أولوية تحرير الاسرى والتوصل الى صفقة، مقابل الشعور بأن سياسة حكومة نتنياهو هي اقرب الى التضحية بالاسرى لصالح اهداف الحرب التي اعلنتها وحصريا مسألة الاجتياح البري.

في آخر اجتماع تشاور امني عقده نتنياهو 3/11 اجتمع مع وزير الحرب ووزير الشؤون الاستراتيجية وقادة عسكريين، وكان اللافت انه كان تشاورًا امنيًا خارج اطار كابينيت الحرب، ولم يدع شريكه فيها بيني غانتس. وهو مؤشر لتصدعات في هذا الاطار الذي يدير شؤون الحرب.

خلاصة:

مع تعمق الشرخ مع الادارة الامريكية ومع عائلات الاسرى الاسرائيليين والمطالب الشعبية بالتنحي، فإن نتنياهو قد عاد الى نهج الرضوخ لابتزازات شركائه بن غفير وسموتريتش، على حساب وحدة حكومة الحرب المقلصة، ليكون هذا اول تصدّع فيها يظهر للعيان.

قد يكون نتنياهو اكثر استعدادا للمغامرة بروح شركائه من الصهيونية الدينية ظنا منه بإعادة الاعتبار الى راهنيته. وفي ذلك فإن تورطه مع الادارة الامريكية قد يقوده الى المزيد من توريط اسرائيل في غزة، وتوريط الموقف الامريكي الشريك في الحرب وصاحب القرار الحازم فيها.

رفض الادارة الامريكية لوقف اطلاق النار وحصر الأمر بالهُدن الانسانية فيه تقدير امريكي بأن اسرائيل لم تحقق اهدافها وقد تكون عاجزة عن ذلك بالتمام.

 

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

عن تصريحات خليل الحية؛ كأننا إزاء "حماس"...

2024/05/15 15:48

رفح... حافّة لكل شيء

2024/05/14 03:28

لماذا عجز اشقاؤنا العرب عن إنقاذنا حتى...

2024/05/14 02:53

على وقع عملية رفح وموقف واشنطن: طريق...

2024/05/12 10:34

ماذا وراء الرصيف العائم في غزة؟!

2024/05/07 16:03