رأي

د. أحمد رفيق عوض

عدو كامل الأوصاف

فالعدو هو عربي ومسلم وإرهابي، يكره الحضارة الغربية والليبرالية وهو ابن الظلام وملك الشر والأهم من كل ذلك انه يطالب بحقوق ليست له ولا تليق به
اللوبي الصهيوني يسيطر على منصات الإعلام الغربية | freepik

لماذا تُقبل الرواية الإسرائيلية وتروَّج مهما بلغت وقاحتها أو كذبها أو مناقضتها للواقع! للإجابة على هذا السؤال نورد ما يلي: فالسردية الإسرائيلية ليست ذكية ولا مكتملة ولا عبقرية، بل هي مضحكة وتثير السخرية. ولكن لا بد أن يكون هناك سردية ما مقابل سردية أخرى. 

اسرائيل تعتمد على تقديم رواية أخرى دائما بغض النظر عن كونها صادقة أو غير ذلك، المهم ان يكون هناك قصة، وستتولى المنصات الاعلامية الكبرى ترويجها وتحويلها إلى حقائق بفعل التكرار والزيادة والنقصان وكذلك عمليات الصقل بفعل التداول. ولا يغيب عن اذهاننا ان منصات الاعلام الكبرى مملوكة لطغم المال واللوبي الصهيوني في بلاد الغرب العنصرية.

 كان لافتا ان بايدن تبنى السردية الإسرائيلية حول مذبحة المشفى المعمداني دون تحقيق ودون تمحيص وبذلك حولها إلى سردية عالمية لها قوة الانتشار والتصديق والاغتيال. السردية الإسرائيلية تتناسب وتلائم مثيلتها الغربية الاستعمارية والعنصرية، ذلك ان السردية الإسرائيلية تقدم عدو كامل الأوصاف للذهنية الغربية يخدم اغراضها ويحقق أهدافها. 

بايدن تبنّى السردية الاسرائيلية | تصوير: مكتب الاعلام الحكومي

فالعدو هو عربي ومسلم وإرهابي، يكره الحضارة الغربية والليبرالية وهو ابن الظلام وملك الشر والأهم من كل ذلك انه يطالب بحقوق ليست له ولا تليق به. وهي صورة نموذجية للعدو الذي يجب مقاومته او قتله او نفيه، وهو عدو يجب اختلاقه او اختراعه لتظل الرؤية الغربية يقظة ونشيطة وموحدة، ورغم تعدد اعداء الغرب الاستعماري من روس او صينين او افارقة او لاتينين الا ان العدو العربي والمسلم والإرهابي وكاره الحضارة هو العدو المفضل لدواع ثقافية وتاريخية وجغرافية.

والسردية الإسرائيلية سردية تقوم على برنامج محكم وينفذ بطريقة احترافية ويبدأ بشيطنة الفلسطيني والصاق تهم الارهاب والكراهية به ومن ثم تجريمه بالكامل ونبذه محليا ودوليا، الأمرالذي يقود إلى ضرورة اسكاته وكتم صوته والتعتيم على روايته. ولهذا تجد ان كل المنصات الرقمية تحذف المحتوى الفلسطيني. وبعد كتم الصوت والتعتيم تأتي مرحلة التصفية المعنوية والجسدية في آن معا دون أن تثير أحدا أو تستدعي إدانة أو شجبا.

مواقع التواصل: كتم صوت وحذف المحتوى الفلسطيني | freepik

السردية الإسرائيلية تنفذ هذا المخطط بطريقة بالغة الذكاء وبالغة الدهاء وتعطي نفسها العذر الأخلاقي للتخلي عن كل قيم الحرية والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان من منطلق ان الديمقراطية تدافع عن نفسها وتحمي منجزاتها، وبالتالي تتحول السردية الإسرائيلية رغم فظاعتها وكذبها إلى حامية للانسانية كلها وهو ما يدغدغ الذهنية الاوروبية ويريحها ويخلصها من عذاب ضميرها ان كان هناك عذاب لما فعلته في القارات الخمس على الاطلاق.

السردية الإسرائيلية التي هي جزء من السردية الاستعمارية الغربية وتطوير لها تتمركز حول ذاتها وتؤله أفعالها وتعطيها ابعاد عالمية وترى فيما تفعله ضرورة سماوية تحمل مشعل النور والتقدم، ولهذا لم يكن من المستغرب ان يركز نتنياهو على فكرة انه رسول الحضارة امام جمهور من المتوحشين، اما غالانت، وما ادراك ما غالانت، فقد قال على تخوم غزة ان المعركة هي بين أبناء النور و بين أبناء الظلام وهذه سردية سمعناها تماما لدى كل المستعمرين الغربيين عندما قالو ان ألههم أفضل من آلهة اعدائهم.

السردية الإسرائيلية في نهاية الأمر ما هي إلا دعاوى لاستمرار الاحتلال والتنكر للحقوق المشروعة والتفاف على الشرعية الدولية، وهي مجرد فبركة يراد منها خلق مرتكزات معنوية تكفي لاستمرار القتل والمصادرة والرعب، والغرب الاستعماري يقبل كل تلك الفبركات والترهات ليس لأنه يصدقها أو لا يصدقها، بل لأنه شريك تماما ومتورط إلى أذنيه، ولأنه الأستاذ الأكبر الذي اخترع وما يزال سردية تغتال الانسان وتغطي الظلم والظلام وتحولهما إلى حضارة وعدل.

● الكاتب رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية - جامعة القدس

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

عن تصريحات خليل الحية؛ كأننا إزاء "حماس"...

2024/05/15 15:48

رفح... حافّة لكل شيء

2024/05/14 03:28

لماذا عجز اشقاؤنا العرب عن إنقاذنا حتى...

2024/05/14 02:53

على وقع عملية رفح وموقف واشنطن: طريق...

2024/05/12 10:34

ماذا وراء الرصيف العائم في غزة؟!

2024/05/07 16:03